الهند والولايات المتحدة... لا تقارب أيديولوجياً بعد الآن!

نشر في 21-01-2021
آخر تحديث 21-01-2021 | 00:00
 ذي دبلومات وسط انتشار الأخبار المريبة التي هزت الأيام الأخيرة من عهد دونالد ترامب، كشف البيت الأبيض عن وثيقة جديدة وعادية نسبياً: الإطار الاستراتيجي لمنطقة المحيطَين الهندي والهادئ. يفصّل هذا الإطار الدور الأمني للهند في المنطقة، لكن كان لافتاً أن يغيب هذا البلد عن الأهداف الأميركية التي تحمل طابعاً إيديولوجياً. تتكلم الوثيقة عن "التصدي لنماذج الحُكم الصينية" وتطمح إلى تحقيق هذا الهدف عبر التواصل مع "الشركاء الديمقراطيين في المنطقة لإثبات نجاحاتهم الخاصة والمكاسب التي حققوها"، لكنّ البيان يذكر منغوليا قبل الهند.

تتطرق المقاطع المرتبطة بالهند إلى ضرورة تطبيق إصلاحات اقتصادية محلية وبناء القدرات الهندية لمواجهة التحديات المطروحة على طول حدودها مع الصين وتلبية حاجات الهند في قطاع الطاقة، لكن لا يذكر إطار العمل شيئاً عن ترسيخ أي قيم ديمقراطية مشتركة مع نيودلهي لمجابهة النفوذ الصيني في المنطقة.

تتعامل هذه الوثيقة مع الهند وكأنها شريكة عسكرية وأمنية في منطقة المحيطَين الهندي والهادئ، لكن يختلف هذا التوجه بشدة عن السياسة الأميركية القديمة التي كانت تعتبر الهند أبرز دولة ديمقراطية جديرة بالثقة لمجابهة الصين في العالم النامي.

لكن قد يكون هذا التصنيف مريحاً بالنسبة إلى نيودلهي، فقد واجهت حكومة ناريندرا مودي خلافات كافية مع الديمقراطيين بسبب المخاوف الإيديولوجية، بدءاً من قرار الإقفال في كشمير وصولاً إلى تعديل قانون المواطنة المثير للجدل، ومنذ أن فاز جو بايدن في الانتخابات الرئاسية في نوفمبر الماضي، بدأ المحللون في واشنطن ونيودلهي معاً يقيّمون التداعيات المحتملة لتلك المشاكل وتأثيرها على نظرة إدارة بايدن إلى الهند. كان البعض محقاً حين تساءل عن احتمال أن يضيّق بايدن الخناق على المساعدات الأمنية المخصصة للهند في حال توسّعت الاضطرابات والنقاط المثيرة للجدل في السياسة الهندية.

إذا أدت الهند دوراً مهماً بما يكفي كشريكة أمنية، هل يمكن أن يقتنع بايدن بضرورة الإغفال عن هذه العوامل الإيديولوجية المزعجة؟ وهل تعتبر أوساط السياسة الخارجية في واشنطن الهند شريكة أمنية أكثر مما هي قوة ديمقراطية قادرة على الوقوف في وجه الصين؟

قد يسمح هذا التغيير في وجهات النظر لحكومة مودي بتجاوز المشاكل الدبلوماسية والسياسية التي سبقت وصول بايدن إلى البيت الأبيض، لكنه يطرح مجموعة أخرى من التحديات أيضاً.

طوال سنوات، قامت واشنطن باستثمارات كبرى لبناء قدرات الهند وترسيخ طموحاتها باكتساب دور قيادي في المنطقة والعالم. ارتكزت هذه الجهود على عوامل عدة، أبرزها التقارب الواضح في المصالح الإيديولوجية بين البلدين. لطالما ظنّت الولايات المتحدة أن الهند ستؤيد المعايير الدولية التي تدعمها واشنطن منذ عقود، ولهذا السبب، تحمّل الأميركيون أيضاً سياسة عدم الانحياز الهندية، لا سيما العلاقات التي تجمع بين الهند ودول مثل روسيا وإيران.

إذا اكتسبت الهند الآن دوراً عسكرياً بارزاً في السياسة الخارجية الأميركية، يعني ذلك أن نيودلهي ستضطر لاتخاذ خطوات استباقية إضافية للتصدي للوجود العسكري الصيني في جنوب شرق آسيا وأفغانستان وأماكن أخرى، حتى أنها مضطرة للمشاركة في المبادرات السياسية الأميركية منذ البداية، وقد تحصل هذه الخطوة على حساب مقاربة عدم الانحياز التي تطبّقها الهند منذ وقت طويل، لا سيما تجاه روسيا. على صعيد آخر، قد تواجه نيودلهي أعباءً كبرى إذا تحوّلت رسمياً إلى حليفة عسكرية للولايات المتحدة لأن مواردها العسكرية بدأت تضعف على طول حدودها في الهيمالايا حيث تواجه تهديدات مزدوجة من الصين وباكستان.

قد يقرر بايدن عدم التطرق إلى النقاشات المرتبطة بحقوق الإنسان داخل الهند إذا اعتبرت إدارته نيودلهي حليفة عسكرية لا غنى عنها ضد الصين، لكن حتى لو حملت واشنطن هذا النوع من التوقعات، تبقى الهند على أرض الواقع بعيدة عن تأدية هذا الدور.

محمد زيشان - دبلومات

back to top