عندما حلّ السل والجدري بالكويت عامي 1963 و1967

• 5% من السكان أصيبوا بالسل وأجري الفحص لـ 20 ألفاً وأُدخل المستشفى الصدري 800 مريض
• الجدري أصاب 49 شخصاً وأودى بحياة 21 وأول الضحايا كان فتى عمره 8 سنوات

نشر في 20-01-2021
آخر تحديث 20-01-2021 | 00:04
مثلما أصاب وباء كورونا الكويت أصاب العالم كله، ومنذ عام 2020 وإلى اليوم لا تزال الجائحة تفعل فعلها، بعد أن تخطت البشرية إلى حد ما عواقب الانتشار السريع، وراحت العديد من الدول تأخذ اللقاحات المناسبة.

لكن في ستينيات القرن الماضي، شهدت البلاد نوعين من الأمراض، هما السل عام 1963 ومرض الجدري عام 1967، وشتان ما بين الحالتين؛ في الستينيات كانت التطعيمات متوافرة، واستطاعت الدولة، عبر وزارة الصحة، السيطرة على المرض ومحاصرته واتخاذ إجراءات سريعة وفعالة، سواء بعزل المناطق الموبوءة أو بعمليات التطعيم التي أقدمت عليها.

وبحسب البيانات المنشورة آنذاك، فقد وصلت نسبة إصابات مرض السل إلى 5 بالمئة من السكان، وتم فحص 20 ألف شخص.

أما في عام 1967، فقد حلّ مرض الجدري، وأسفر في النصف الأول من تلك السنة عن وفاة 21 شخصاً وإصابة 49، بعد عزل المناطق الموبوءة، وأول ضحية كان فتى لم يتجاوز 8 سنوات، وجرى تلقيح 400 ألف شخص.

مرض السل

في عام 1963 وصلت نسبة إصابة الكويتيين والمقيمين بمرض السل إلى نحو 5 في المئة، كانت إجراءات وزارة الصحة تقضي بمنع دخول أي شخص إلى الأراضي الكويتية إذا لم يثبت أنه خال من هذا المرض.

وفي تحقيق نشرته جريدة الرأي العام، نقلت عن رئيس الأطباء في الوزارة قوله «نفحص السكان بطريقة عشوائية، نأخذ عشرة أو عشرين بيتاً، ونحصر كل أهالي البيوت، ونجري اختبارا لنرى ما إذا كان عندهم مرض سابق أو لاحق أو مناعة»، وبالفعل تم فحص حوالي 20 ألفا من سكان الكويت.

الحملة قامت بها وزارة الصحة مع منظمة الصحة العالمية وبمساعدتها، واستمرت حوالي خمسة أشهر، وبلغ عدد المصابين بمستشفى الصدري حوالي 800 شخص، ثلث العدد مواطنون والبقية أجانب خارج المستشفيات يتلقون العلاج والعناية، في ذاك الوقت كان مرض «الشراخوما» الذي يصيب العين بعدوى بكتيرية منتشراً في الكويت.

«الجدري» يودي بحياة 21 شخصاً

في عام 1967 أعلنت وزارة الصحة أن عدد المصابين بمرض الجدري بلغ حتى 7 مايو نحو 49 إصابة وفاة 21 شخصاً، 4 منهم في سنّ البلوغ، والبقية من الأطفال، ومعظمهم يقطنون في مناطق صيهد العوازم ومدينة العمال والشدادية والمقوع.

وناشدت الوزارة، في حينه، المواطنين الذين تلقوا التطعيم ضد الجدري مراجعة أطبائهم للتأكد من نجاح اللقاح، ليتسنى للذين لم ينجح معهم الطعم الأول، تطعيمهم مرة ثانية، وتم تحويل المستشفى الأميركاني السابق إلى جناح خاص لاستقبال حالات الأطفال.

وبدأت حملة التطعيم الشاملة ضد مرض الجدري الخطير الذي ظهرت أعراضه على 16 شخصاً من مناطق الكويت، 6 منهم كانت حالاتهم خطيرة للغاية، والبقية وضعوا تحت المراقبة.

وقامت الوزارة بعمل «طوق طبي حول الأماكن الموبوءة»، وإعلان الإجراءات الاحتياطية.

والتقت صحيفة الرأي العام آنذاك

وكيل الوزارة يوسف جاسم الحجي، الذي شرح قصة المرض قائلا: المناطق التي ظهر فيها الوباء وضعت تحت العزل الطبي، والإصابات بلغت 13 إصابة، ومعظمها للذين خالطوا المريض الأول المصاب الذي تسبب في تسرّب الداء.

وأضاف: «أول إصابة من إحدى عائلات البدو الذين كانوا قد استضافوا أحد الأشخاص القادمين من خارج البلاد عن طريق الصحراء، وكان الضحية الأولى صبيا في الثامنة من عمره، أما حالات الجدري الأخرى فقد نقلت إلى مستشفى الحميات».

وقال الحجي «قبل أربعين عاما أصاب الكويت هذا الداء الوبيل، وقضى على معظم السكان، لأن هذا الداء لم يكن معروفاً، وإن كان موطنه في الهند وباكستان».

الطبيب أحمد سلامة

ثم تحدث د. أحمد سلامة، مدير الصحة الوقائية والعلاجية، فقال: «لا يوجد خطر في الوقت الحاضر من المرض، إذ قام جميع السكان في الكويت بالتطعيم».

وشرح عوارض المرض وصعوبة تشخيصه في أطواره الأولى، وكان بعد 16 يوماً تظهر علامات المرض، وبشكل قشور تحمل الميكروب، والذي ينتقل عن طريق الأنسجة المخاطية إلى الجسم، حيث يحتضنها مدة 14 يوماً، ثم يخرج الطفح على الجسم خلال يومين.

أما مدير الخدمات الوقائية والعلاجية، د. محمد حسن سلمان، فقال: «تم تلقيح 400 ألف شخص في الكويت، ولا يزال التطعيم جارياً.

رواية برجس البرجس

وعن تلك الفترة، أي فترة مرض الجدري، يروي برجس حمود البرجس، وكان يشغل منصب وكيل مساعد للشؤون الصحية بالوزارة، كما جاء في كتابه «السدرة»، قصة المسدس الذي جرى إشهاره بوجهه وهو يقوم بحماية الناس من الوباء، بدأ الأمر مع ظهور حالتي جدري في منطقة صيهد العوازم، وهي منطقة يسكنها خليط من كويتيين ومقيمين في مساكن بدائية كان يطلق عليها تسمية «العشيش».

«كان هذا عام 1967، وحدد الأطباء المصدر في مناطق لم يشملها التطعيم ضد مرض الجدري، واقترحوا القيام بحملات تطعيم في المناطق الخارجية، وتقرر أن نذهب فجراً لتطويق هذه المناطق، نتجمع يوميا عند مستشفى العظام، كنّا أطباء وممرضين وممرضات وأنا معهم، ثم ننطلق، وعند بزوغ ضوء الفجر نمسك بكل خارج من منزله ونطعّمه، وانتقلنا إلى الوفرة، وهي في تلك الأيام منطقة حدودية نائية ومنعزلة، وكان معي خالد الدهيم الذي عمل صيدلانيا، قبل أن يصبح مسؤولاً عن المستوصفات.

طوقنا المنطقة، وبدأنا بتطعيم كل من يظهر، وبينما نحن مشغولون جاء أحدهم واقترب منا وسألني عن معنى ما يحدث، فقلت إننا نقوم بحملة تطعيم، غير ملقٍ بالا إلى ما كان قد فهم ما نقوم به بالضبط، وفوجئت به يشهر مسدسه مهدداً، ويقول: «لن أسمح لكم بالتقدم، هذه المنطقة تتبع السعودية، ولا شأن لكم بأهلها»، وتقاطر علينا حشد من الناس من الواضح أنه لم يكن متفرجاً، بل كان متضامنا مع صاحب المسدس، فعقدت الدهشة لساني، ثم تداركت الأمر بتقديم إيضاح بسيط «نحن جئنا للقيام بعمل إنساني وإنقاذ أهل المنطقة من مرض الجدري، كل الموضوع هو تطعيم، وأضفت وأنا أراه يشدد قبضته على مسدسه: «إذا أردت قتل أحد فأنا أنوب عن جماعتي، فاقتلني»، توقّعت أن يحرجه هذا المنطق البسيط، إلا أنه ازداد غضباً كأنه وجد في قولي تحدياً، وهَمْهَم الحشد من حوله»!

حدث هذا في منطقة الوفرة وليس المنطقة المحايدة، ورجعنا إلى الكويت ومعي خالد الدهيم، وأبلغت الوزير عبدالعزيز الفليج بما حدث، وسألته عن الحل، فأجاب «ابعد عن الشر»!

مرض السل وكيفية دخوله البلاد

مرض السل له 3 درجات أو مستويات، وهو عبارة عن ميكروب ينتقل بالعدوى، ينتشر بين الناس، وينتج عن سوء التغذية ومستوى المعيشة المنخفض وتؤكد تقديرات الأطباء أن المرض جاء من القادمين من خارج الكويت، والسبب - كما يقول أحد الأطباء - كان كرم حكومة الكويت التي تأوي الداخلين إليها للعمل والعيش دون فحوصات طبية إلزامية!

حمزة عليان

عزل صيهد العوازم والشدادية والمقوع ومدينة العمال وتحويل المستشفى الأميركاني إلى جناح خاص للأطفال الحجي

كنا نتجمع عند دوار العظام وننطلق مع الفجر لتطويق المناطق بغرض التطعيم البرجس

أجرينا تلقيح 400 ألف ضد الجدري سلمان
back to top