نحو مقاربة جيوسياسية أكثر واقعية في الشرق الأوسط

نشر في 18-01-2021
آخر تحديث 18-01-2021 | 00:00
 ذي ناشيونال خلال الخمسينيات والستينيات، كانت "سياسة المحاور" تطغى على العالم العربي، مما يعني أن الديناميات الإقليمية تتأثر بالخصومات القائمة بين اصطفافات الدول بمختلف أنواعها، ومع انتهاء مفاعيل "السلام الأميركي" (باكس أمريكانا) في الشرق الأوسط، بدأت المنطقة تعود إلى وضع مألوف، حيث تنذر النتيجة النهائية بتطورات إيجابية للدول العربية.

بشكل عام، تجد الدول العربية نفسها اليوم وسط ثلاثة اصطفافات واسعة تتراوح بين الاتفاقيات العسكرية الرسمية وعلاقات التعاون الفضفاضة:

أولاً، يبرز الاصطفاف السعودي الإماراتي المصري الذي اتخذ بُعداً مهماً مستجداً حين توصلت دول الخليج إلى اتفاق مع إسرائيل بناءً على "اتفاقيات أبراهام".

ثانياً، نشأ اصطفاف تقوده طهران بين دول أو منظمات تشمل إيران، وسورية، والعراق بدرجة معينة، وحزب الله في لبنان، والحوثيين في اليمن، وحركة "حماس" في الأراضي الفلسطينية ولو بطريقة أقل وضوحاً.

أما الاصطفاف الثالث، فهو يجمع بين تركيا وقطر لكن يبدو أنه يشهد تغيرات اليوم غداة المصالحة الأخيرة بين دول مجلس التعاون الخليجي والدوحة.

هذه المجموعة من العلاقات ليست نسخة مكررة من سياسة المحاور القديمة، فهي تشمل ثلاث دول غير عربية (إسرائيل وإيران وتركيا) لها دور مؤثر في السياسات العربية، كذلك، لا تبدو هذه الاصطفافات متماسكة بقدر سابقاتها في فترة الخمسينيات والستينيات، حين كانت التحالفات العربية تتأثر بالانقسامات الإيديولوجية بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي.

اليوم، أصبحت الإيديولوجيا بعيدة جداً عن تفكير حكّام المنطقة، فقد باتت العلاقات ترتكز في المقام الأول على المرونة والحسابات الباردة سعياً لاكتساب النفوذ وتحقيق المكاسب في المنطقة وسط مناخ سياسي تركت فيه واشنطن فراغاً كبيراً يحاول الجميع ملأه. لا تدّعي الدول أنها تلتزم بأهم المبادئ لتبرير أفعالها، بل إنها تحقق مصلحتها الوطنية لتبرير خياراتها، وهذا ما يفسّر تقلباتها المفاجئة في حالات كثيرة.

ينطبق هذا المبدأ على إيران وأطراف أخرى، مع أن القيادة في طهران تستعمل دوماً المصطلحات الدينية (والطائفية) لتفسير سلوكها، لكن هذه الطريقة تبدو غطاءً مناسباً لتصرفاتها، فهي تخفي نزعة قومية إيرانية أكثر عمقاً تغذّيها طموحات ضمنية بالهيمنة على المنطقة. على صعيد آخر، لا تُعتبر إيران الدولة الوحيدة التي تعيد إحياء نزعتها القديمة إلى فرض هيمنتها لاكتساب النفوذ اليوم، فقد استرجعت تركيا بدورها عوامل من ماضيها العثماني لتلوين سياساتها المعاصرة.

اقتنعت إيران لفترة طويلة بقدرتها على توسيع نفوذها في الدول العربية المضطربة، لكن حدود هذه الاستراتيجية بدأت تتضح مع مرور الوقت، فقد شاركت طهران في الحفاظ على نظام الأسد في سورية مثلاً، لكن حصل ذلك مقابل دمار البلد وزعزعة استقراره بشكلٍ دائم وإطلاق ردود عسكرية إسرائيلية متكررة ضد الجهود الإيرانية الرامية إلى تطوير بنية تحتية عسكرية هناك.

على غرار لبنان أو العراق أو اليمن، أثبتت التجربة في سورية أن الوجود في نطاق النفوذ الإيراني يخلق علاقة أحادية الاتجاه مع طهران. أدى توسّع النفوذ الإيراني في هذه الدول إلى انتشار مظاهر الدمار والانهيار والفساد ويصبّ هذا الوضع طبعاً في مصلحة طهران. هذا النموذج ليس مغرياً أبداً للمجتمعات العربية، مما يعني أن سطوة إيران قد تضعف تدريجاً مع مرور الوقت ما لم تغيّر مسارها الراهن.

لإعادة ترسيخ نظام مستقر وجديد في الشرق الأوسط، يجب أن تثبت الاصطفافات الإقليمية قدرتها على رسم الحدود للخصوم تزامناً مع طرح حوافز من نوع "القوة الناعمة" لزيادة جاذبيتها، ونظراً إلى هشاشة الأجندات العسكرية في منطقة مسلّحة بامتياز، ستصبح أساليب الإقناع والاستمالة على الأرجح أكثر أهمية من الترهيب لتحديد النتائج النهائية، فلا يمكن الاستخفاف بهذا العامل في ظل المشاكل الكبرى التي تلوح في أفق العالم العربي.

مايكل يونغ - ذا ناشيونال

back to top