وحدة التحريات المالية تتهاون في بلاغات «الصندوق الماليزي»

إجابتها البرلمانية كشفت اكتفاءها بتحقيقات «الداخلية» وعدم طلبها معلومات من الجهات المختصة
لم تُحِل المعاملات المالية المشبوهة إلى النيابة رغم دلائل كافية تضمنتها تقاريرها
الضغط النيابي والشعبي أجبرها على إعادة فتح الإخطارات وإعداد تقرير مُحدَّث وتقديم بلاغ

نشر في 17-01-2021
آخر تحديث 17-01-2021 | 00:15
جرائم غسل أموال الصندوق الماليزي السيادي
جرائم غسل أموال الصندوق الماليزي السيادي
مع توالي وصول الإجابات الحكومية عن الأسئلة البرلمانية فيما يخص شبهات جرائم غسل أموال مرتبطة بالصندوق الماليزي السيادي، يتبين أن وحدة التحريات المالية لم تأخذ بجدية مسألة قيامها بالواجبات التي حددها لها قانونها، وهو ما يطرح تساؤلات رئيسية عما إذا كانت هناك توجيهات لها بالتهاون في القيام بأعمالها، أم أن الوحدة غير مدركة لحجم المسؤولية الملقاة على عاتقها!

أولى الإجابات الحكومية عن «الصندوق الماليزي» جاءت رداً على سؤال للنائب عبدالله المضف، وفيه أكدت الوحدة تلقيها ثلاثة بلاغات من البنوك المحلية عن شبهات في تعاملات مالية لإحدى الشركات، ويتضح من ردها أنها دمجت البلاغات الثلاثة وأرسلتها إلى وزارة الداخلية التي خلصت بدورها إلى عدم وجود شبهة جناية غسل أموال، بل خلاف بين أطراف الشركة، واكتفت برد «الداخلية» وحفظت تلك البلاغات.

وبالنظر إلى قانون «وحدة التحريات»، فإن الفقرة الثانية من مادته الـ ١٧ نصت على أن «للوحدة – فيما يتعلق بأي تقرير أو معلومات تتلقاها – الحق في الحصول على أي معلومات ترى أنها ضرورية لأداء مهامها من الجهات المختصة وأجهزة الدولة».

ووفق ما جاء في الإجابة البرلمانية، وربطها بالصلاحيات القانونية للوحدة، يتضح أنها اكتفت بإحالة بلاغات البنوك – الثلاثة الأولى - إلى «الداخلية»، دون أن تفعّل سلطاتها بطلب معلومات إضافية من البنوك المحلية عن الحسابات المصرفية، أو بيانات من وزارة التجارة عن ميزانيات الشركة المعنية كإجراء بديهي في أي تحقيق مالي ذي صلة بجرائم غسل الأموال، مكتفية بنتيجة تحريات «الداخلية» بأن كل تلك التحويلات والمعاملات المصرفية ناتجة عن «خلاف بين الشركاء».

أما الإخطاران الرابع والخامس، لنفس الأطراف والشركة، فإن تعامل «وحدة التحريات» معهما جاء أكثر غرابة، إذ تقر في الإجابة البرلمانية بأنها «وسعت دائرة البحث وطلبت المزيد من المعلومات وتتبع المعاملات المالية»، وبعد ضم البلاغين وإرسالهما مجدداً إلى «الداخلية»، جاءت الإفادة بعيدة عن طلب الوحدة، إذ تقر في معرض إجابتها بأن وزارة الداخلية «لم تتناول ما قدمته الوحدة من دلائل اشتباه، أو ما اتخذته الوزارة من إجراءات في شأنها».

واكتفت الوحدة بإفادة الوزارة دون أن تفعّل نص المادة 19 من قانونها الذي خولها إبلاغ النيابة متى توفرت لها دلائل معقولة للاشتباه في أن الأموال محصَّلة من جريمة أو مرتبطة بعمليات غسل، علماً بأن «الداخلية» جهة من عدة جهات أتاح القانون للوحدة الاستعانة بها وطلب المعلومات منها، مع الأخذ بعين الاعتبار أنه ليس بالضرورة أن تكون الوزارة قادرة على التحقيق في عمليات مالية بهذا الحجم والارتباط والتعقيد.

ويتكرر الأمر مع الإخطارين السادس والسابع، إذ تؤكد «التحريات» وجود دلائل كافية للاشتباه في المعاملات المالية، وتؤكد أيضاً ارتباط الأسماء الواردة في الإخطارات السابقة، بيد أن آلية التعامل مع الحقائق تكررت بالاكتفاء بالإحالة إلى «الداخلية» والقبول بإفادتها عن عدم وجود شبهات أو جرائم غسل أموال، علماً بأن هذه النتيجة تتعارض مع ما انتهت إليه الوحدة من «وجود دلائل كافية للاشتباه»، ولم تلجأ إلى النيابة، الأمر الذي يثير الكثير من علامات الاستفهام.

لم تكن قضية «الصندوق الماليزي»– بما احتوته من معلومات - متاحة للعامة من نواب وإعلام ومواطنين إلى أن ورد اسم الكويت كإحدى الدول المرتبطة بسلسلة نقل أموال الصندوق السيادي في الإعلام الماليزي وذلك في مايو الماضي.

ومع الضغط النيابي والشعبي، تفجرت الكثير من المعلومات، وهو ما دفع «التحريات»، وبحسب ما جاء في الإجابة البرلمانية، إلى «إعادة فتح جميع الإخطارات ذات العلاقة، وإعداد تقرير اشتباه محدث اشتمل على جميع الأسماء والحسابات والمستندات والمعاملات المشبوهة وإرفاقه ببلاغ إلى النيابة في مايو 2020!

ويتضح من سير الإجراءات السابقة، وآلية تعامل «التحريات» مع إخطارات البنوك، وجود خلل كبير داخل الوحدة، ومحاولات لرمي كرة المسؤولية في ملعب جهات حكومية أخرى، وقد يكون ذلك بسبب الأسماء المشتبه فيها، أو لقصور في فهم المسؤوليات والواجبات القانونية للوحدة تجاه الدولة وحمايتها من الأموال المشبوهة سواء المحصَّلة من جرائم غسل الأموال أو تمويل الإرهاب.

ما كانت الكويت لتكون طرفاً في واحدة من أكبر عمليات غسل الأموال الدولية لو كانت «التحريات» تحركت بصورة جدية أكثر تجاه ما وردها من إخطارات، وما كانت الحكومة لتدفع ثمناً باهظاً في استجواب رئيسها لو كانت الوحدة فعّلت قانونها بصورة حقيقية وليست شكلية تثير الشكوك حولها.

تواريخ إخطارات البنوك

الأول: 4 أكتوبر 2016

الثاني: 30 نوفمبر 2016

الثالث: 11 ديسمبر 2016

الرابع: 10 سبتمبر 2017

الخامس: 6 فبراير 2018

السادس: 24 يوليو 2018

السابع: 5 أغسطس 2018

الوحدة بلا رئيس منذ 3 سنوات

منذ استقالة رئيس وحدة التحريات المالية باسل الهارون، قبل ثلاث سنوات إلى اليوم، لم يتم تعيين رئيس جديد لها، رغم أهميتها في الرقابة على جرائم غسل الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب.

وكان الهارون تقدم باستقالته من الوحدة، إلى وزير المالية الأسبق نايف الحجرف، بتاريخ ١٢ أبريل 2018 ، «لأسباب مرتبطة بالرغبة في المحافظة على استقلالية الوحدة، وفق ما رسمه لها قانون تأسيسها، والمتطلبات الدولية في هذا الشأن، وهو ما لم يتأتَّ لي، لظروف لم تكن مواتية».

back to top