أربعاء اللطخة!

نشر في 13-01-2021
آخر تحديث 13-01-2021 | 00:01
 طالب الرفاعي مؤكد أن يوم الأربعاء 6 يناير 2021 سيكون تاريخاً لطخةً في وجه الديمقراطية الأميركية! ومؤكد أنه سيكون مجالاً خصباً للكثير من الدراسات والتحليلات، وحتى مادة جد خصبة لصناعة السينما، ولكبريات شركات هوليوود! ومؤكد ثالثة أن الولايات المتحدة الأميركية ستحتاج مدة طويلة كي تمحي من ذاكرة العالم كيف أن جماهير زاحفة، وصفهم الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن -Joe Biden بالغوغاء، وترتدي أزياء موحية، كيف أن هؤلاء جاءوا من مختلف الولايات الأميركية وأحاطوا بمبنى الكونغرس - Congress، الذي يمثل المؤسسة الدستورية الأولى في الولايات المتحدة الأميركية، والهيئة التشريعية في النظام السياسي، وهو الذي يضم مجلسين هما: مجلس الشيوخ، ومجلس النواب الأميركي. جاءوا في ميعاد الديمقراطية بتعميد الرئيس الأميركي الجديد رئيساً للولايات المتحدة الأميركية لمدة أربع سنوات، وبما يشير صراحة إلى أن الرئيس لا يستطيع أن يكون رئيساً حاكماً وقائداً أول للقوات المسلحة، ما لم توافق المؤسسة الدستورية على صحة نتائج الانتخابات التي جاءت به، وهذا وحده يجعله خيار الأمة ولسان حالها!

كثيرة جداً هي الزوايا التي يمكن التوقف عندها، في أربعاء اللطخة لكني سأقف عند دلالة أمرين: الأول هو هجوم وتكسير الجماهير الأميركية لنوافد بيت الأمة/الكونغرس واقتحام المبنى، وثانياً إقدام موقع التواصل الاجتماعي الأميركي تويتر - Twitter، ومواقع تواصل أخرى، على إيقاف ومنع الرئيس الأميركي دونالد ترامب - Donald Tramp، من التغريد ومخاطبة جموع البشر حول العالم بما يريد قوله! فيما يخص الأمر الأول، فإن أهم ما يشير إليه، وهو أمر صادم؛ كيف أن الديمقراطية الأميركية، التي يُنظر إليها بوصفها إحدى أهم ديمقراطيات العصر الحديث، كيف أن هذه الديمقراطية عجزت عبر تاريخها الحافل بالعنف والنضال والسعي للسلام، وأعلنت على رؤوس الأشهاد فشلها عن ترويض الوحش داخل الإنسان الأميركي المتحضر! نعم، لقد سقطت ورقة التوت التي كانت تغطي عورة هذا الإنسان المتحضر، وكشفت عن وجه بشع ومخيف ومتوحش، فإذا كان الأميركي المتحضر، جاء غازياً يحمل الأعلام والصيحات، وراح يكسّر ويحطم نوافذ بيت الأمة، ويدخل مواجِهاً ومشتبِكاً ومتجاوِزاً قوات الشرطة، ومحتلاً عابثاً بمقدرات المبنى التشريعي، ومتسبباً في قتل بشر داخل قاعات المبنى، فماذا بقي لشعوب الأرض غير المتحضرة؟ وماذا بقي للعصابات حول العالم؟ وماذا بقي للمرتزقة؟ إن هذه الأسئلة توجه الآن لفلاسفة ومنظري الفكر الإنساني، وتضعهم أمام مسؤولية بشرية كبرى، لدراسة وتحليل الفكر والمسلك الإنساني الهمجي، وكيف أن ممارسة الديمقراطية بأبهى صورها، وامتدادها لعقود وعقود وعقود، هي ديمقراطية هشّة، تحمل في دخلها عنفاً ومسلكاً إنسانياً وحشياً يذكرنا بإنسان الغابة! وأن هذا العنف الأعمى والخامد، لم يحتج لأكثر من شخص واحد يدغدغه، ويغذي شعلته لكي ينطلق هادراً متوحشاً مدمِّراً دون أن يبالي بأي حسابات وأي نتائج!

الأمر الثاني دلالة حجب ومنع منصة تواصل اجتماعي حساب رئيس أعظم دولة في العالم، وكتم أنفاس كلماته وتوجيهاته وأفكاره لتصل إلى مريديه ومشجعيه وأنصاره، في لحظة كان هو أحوج ما يكون للتواصل معهم! وهنا يرتفع السؤال: هل أصبحت منصات التواصل الاجتماعي الأميركية بهذه القوة بحيث تتدخل في صنع قرار اللحظة الإنسانية؟ وهل يعني ذلك زجها كلاعب أساسي في رسم مصائر الدول في أحلك لحظاتها؟ وهل هذا يعني أن التقرب من منصات التواصل الاجتماعي، سيكون هدفاً لأي سياسي بثقل رئيس الولايات المتحدة الأميركية، وباقي أنظمة العالم؟ وهل سيكون هذا مدخلاً لرشوة هذه المنصات بالملايين لتكون بجانب هذا وضد ذاك؟ وإذا كانت "تويتر" قد وقفت هذه المرة إلى جانب العقل والشرعية في بلادها، فهل ستقف كذلك في لحظات شدة إنسانية قادمة؟

لطخة الأربعاء، ليست لطخة في وجه الديمقراطية الأميركية، لكنها لطخة في وجه وثقافة المسلك البشري! فإذا كان أفراد من الشعب الذي يتغنى ويتفاخر بممارسته للديمقراطية ليل نهار، قد انحرفت بهم رغباتهم المتوحشة لاقتراف ما اقترفوا، فماذا بقي لشعوب لم تزل تتهجى خطواتها على طريق الديمقراطية الصعب؟

طالب الرفاعي

back to top