جلسة الثلاثاء الأخير... والعديد من المغالطات والتناقضات

نشر في 11-01-2021
آخر تحديث 11-01-2021 | 00:08
 يوسف ناصر الشايجي واضح أن النواب الموقعين على طلب استجواب سمو رئيس مجلس الوزراء وزملاءهم الموافقين على الطلب ما زالوا لم يستفيقوا من أثر خسارة معركة انتخابات رئاسة المجلس، فهذا ما أكدته جلسة مجلس الأمة الثلاثاء الماضي 2021/1/5:

- لو كانت الحكومة محايدة في تصويت الرئاسة ونجح المرشح الآخر النائب بدر الحميدي لكان المشهد اختلف تماماً، ولكان من المستحيل أن يُقدم هذا الاستجواب، بل بدلاً منه سيقدم للحكومة ورئيسها كل الشكر والتقدير على تعاونها لإزاحة الرئيس مرزوق الغانم عن كرسي الرئاسة وسيحفظ لها هذا الجميل.

- غريبة... هذه على حد علمي أول مرة يستجوب فيها رئيس الوزراء لأنه مارس وحكومته حقاً كفله لهم الدستور، حيث اعتبرهم أعضاء في المجلس متساوين في العديد جداً من الحقوق والواجبات مع جميع النواب، فأقسموا ليصبحوا أعضاء في المجلس القسم نفسه وبالآلية نفسها التي أقسم عليها النواب، كما حق لهم انتخاب من يرأسهم ومن ينوب عنه وبقية شاغلي مكتب المجلس، وكذلك اختيار أعضاء اللجان، وذلك من أجل الوصول للتعاون الإيجابي المنشود كما جاء في المادة (50) من الدستور.

فمن يطالب بعدم تصويت الحكومة كمن يطالب بتحريم الحلال، والأغرب أن يُقدم الاستجواب ويدعم من النواب الذين يطالبون ليل نهار بالتمسك بالدستور والعمل بما جاء به.

- طالبوا طوال سنوات بالمصالحة الوطنية والعفو الشامل لأصدقائهم لمن هم في المنفى حسب تعبيرهم، وأنها هي قضيتهم الأولى ويدعون السلطة والحكومة للتعاون معهم فيها، والآن وفي ثالث جلسة رسمية لمجلس الأمة 2020 وفي أول جلسة عمل فعلي له وترتيب الأولويات بعد جلسة الافتتاح وانتخابات الرئيس ومكتب المجلس، وبعد جلسة انتخابات اللجان البرلمانية، وبعد مرور شهر فقط على ظهور نتائج انتخابات المجلس التي جرت في 2020/12/5 يتقدمون باستجواب لسمو رئيس الوزراء على إثر وقائع جلسة الافتتاح وتصويت الحكومة للرئيس، فاتضح من ذلك كله أن إزاحة الرئيس مرزوق الغانم عن الرئاسة هي أولوية الأولويات بالنسبة إليهم وليست المصالحة الوطنية والعفو الشامل كما كانوا يدعون، بل أصبحت هي قضية الكويت الأولى وتسبق قضايا الفساد المنتشر في المجتمع، وهذا ما كنا نخشاه من ظاهرة شخصنة القضايا التي تفشت خلال العقد الأخير من السنوات، وربما قبل ذلك.

- ويا للمفارقة الحزينة فمن شاهد الحماس المبالغ فيه من النواب في جلسة الثلاثاء على بعض التجاوزات التي تمت في جلسة الافتتاح من قبل بعض المواطنين والمطالبة بإحالتهم إلى النيابة وحرمانهم من دخول المجلس لإساءتهم لقاعة عبدالله السالم، وكذلك تحميل المسؤولية لأمانة وحرس المجلس والمطالبة بفصلهم وإنهاء خدماتهم، لا يصدق أنهم أنفسهم من يطالبون بالعفو الشامل عن أصدقائهم المقيمين في تركيا والصادرة بحقهم أحكام بالسجن لاقتحامهم القاعة نفسها، تلك الحادثة الشؤم وكلنا تابعنا ذلك المشهد المحزن بحسرة على ما آلت إليه أحوال البرلمان عندما تم كسر باب القاعة المقفل والعبث الذي تم بداخلها من قبل نواب وغير نواب، فركبوا على الطاولات وداسوا على الكراسي وعبثوا بمحتويات الأدراج من أوراق وغيرها من خصوصيات النواب، ففي لحظتها كانت قاعة عبدالله السالم لا تمثل أثراً وطنياً لتاريخ الديمقراطية الكويتية، بل كانت مجرد قاعة للعبث وللتنفيس فيها عن غضبهم، أما بعد أحداث جلسة الافتتاح فقد شعر هؤلاء النواب بأهمية القاعة وقيمتها، فانتصروا لها وبالغوا في ذلك، غير مدركين أنهم في تصعيدهم لهذه التجاوزات هم في الوقت نفسه يؤكدون إدانة صريحة لجريمة من اقتحم القاعة نفسها، في يوم الأربعاء الأسود من عام 2011.

- كان الأولى بمن يطالب بالتحقيق في الأحداث التي جرت يوم جلسة الافتتاح والتي نقر برفضنا لها سواء في الهرج والمرج بين صفوف الحضور أو في الدعوات التي وجهت لهم، وأغفلت دعوة النواب والوزراء السابقين حسب بروتوكول جلسات الافتتاح التي يحضرها سمو الأمير، كان الأولى والأجدى بهؤلاء النواب أن يطالبوا بأن يشمل التحقيق كل التجاوزات التي حدثت في تلك الجلسة ابتداء من القسم المغلوط الذي أداه بعض النواب، وكذلك التحقيق في واقعة تصوير بعض النواب لأوراق اقتراعهم، وذلك من باب العدالة والحرص على نزاهة وشفافية الانتخابات، فهي سابقة خطيرة في تاريخ الممارسة البرلمانية الكويتية، ويجب التصدي لها واقتلاعها ويجب عدم التهاون تجاهها.

- فعادةً الشفافية والنزاهة تكونان ملازمتين للعلنية لا السرية، ما عدا في الانتخابات فيحدث العكس، ففي سريتها يتاح للناخب حريته الكاملة في اختيار من يشاء بدون أي ضغوط أو توجيه من آخرين بعكس العلنية التي تتيح مساحة أكبر للفساد من خلال إخضاع الناخب للمزيد من عمليات الترغيب أو التهديد من قبل المرشح، لذلك ألزمت المادة (80) من الدستور بسرية الانتخابات البرلمانية العامة، وليس بعلانيتها تأكيداً للممارسة الديمقراطية السليمة.

- ويكفي المشهد الأخير الذي انتهت إليه الجلسة، وكانت سبباً لرفعها من الرئيس عندما قام أحد المعترضين على سير الجلسة بتصرف غير لائق بالتطاول بيده على ميكرفون الأمين العام وإغلاقه وهو يقرأ في بند الرسائل الواردة للمجلس، وكرر فعلته أكثر من مرة، هذا المشهد اختصر الأجواء المشحونة لمجريات الجلسة، فهل يجرؤ أحد من زملائه النواب ممن استنكروا أحداث جلسة الافتتاح أن يستنكر تصرفه المشين هذا ويطلب منه الاعتذار؟ الإجابة: بالتأكيد لا يوجد أحد منهم يجرؤ على ذلك لأن لهم سابقة قريبة، فهم لم يجرؤوا على رفض ما يمس ثقتهم بأنفسهم عندما قبلوا تصوير أوراق اقتراعهم، بل كانوا يتباهون مزهوين بنجاحهم باختبار الثقة، فكيف لمن فقد اعتزازه بنفسه وعجز عن أن يدافع عنها بأن يدافع عن كرامة الآخرين، ففاقد الشيء لا يعطيه.

- هؤلاء هم ممثلو الأمة الذين كسبوا ثقتها، ولكنهم للأسف لم يستشعروا بقيمة هذه الثقة الغالية ولم تزدهم اعتزازاً أكثر بأنفسهم، بل خسروا تلك الثقة في أول اختبار لهم عندما خسروا ثقتهم بأنفسهم.

***

مشروع قانون اللجنة الوطنية العليا للانتخابات

للأسف كانت جلسة الثلاثاء الماضي حاضرة بالتناقضات العديدة واستمرار مسلسل تصفية الحسابات مع الخصوم والعبث بأولويات قضايا المواطنين، وغابت عنها الحكمة ومصلحة البلد، خصوصا أن هناك العديد من القضايا تحتاج الاستعجال في مناقشتها وإقرارها نظراً لأهميتها البالغة ولارتباطها بعامل الوقت، ويأتي على رأس هذه القضايا وخير مثال عليها مشروع القانون (بإنشاء اللجنة الوطنية العليا للانتخابات) المقدم لمجلس الأمة من الحكومة السابقة مشكورة برئاسة سمو الشيخ صباح الخالد، والذي في حال إقراره والموافقة عليه بعد إضافة بعض التحسينات عليه ليصبح أكثر استقلالية من قبل المجلس يصبح من أهم الإنجازات التاريخية للبرلمان والحكومة معاً في السنوات العشر الأخيرة، ومن بعد قانون (حق لجوء المواطن للمحكمة الدستورية) هذا المشروع المهم الذي يضع حداً لجميع المشاكل المتعلقة بالانتخابات البرلمانية العامة التي عاناها الناخب والمرشح منذ بداية الحياة الديمقراطبة في الكويت ومن أول انتخابات لها سنة 1963، ومن أهم ما تضمنه المشروع المقترح أنه يقضي على العبث بالقيود الانتخابية من خلال عمليات نقل القيود من دائرة انتخابية لأخرى والتي عانيناها حتى آخر انتخابات (ديسمبر2020).

حيث سيتم تسجيل القيود بناء على بيانات البطاقة المدنية، وستنتهي كذلك عملية فتح باب القيود الانتخابية كما يحصل في شهر فبراير من كل عام، حيث سيتم إضافة الناخبين الجدد تلقائياً من خلال الهيئة العامة للمعلومات المدنية، لذلك كان من المؤمل أن تتم مناقشة مشروع القانون المذكور وتعديلاته والموافقة عليه بأسرع وقت في جلسة الثلاثاء الماضي 2021/1/5 حتى يتم العمل به ابتداء من شهر فبراير القادم، ولكن نتيجة لما تم في تلك الجلسة من إغفال (المهم والأهم) من أولويات القضايا والدخول في أمور هامشية لا تستحق أن تأخذ من وقت المجلس الكثير، ولم تقف عند هذا الحد، بل أدخلت المجلس وهو في بداية أعماله في تأزيم وتعليق لجلساته، لا يعلم إلا الله متى تستأنف، فضاعت هذه الفرصة حيث من غير الممكن والحالة هذه إقراره قبل فبراير 2021 .

نتمنى ألا يتأخر إقرار المشروع أكثر من ذلك، وأن يُقر في أول جلسة قادمة كونه مكتسباً شعبياً مهماً وتاريخياً.

يوسف ناصر الشايجي

back to top