رسالة قد تصل للشيخ ناصر!

نشر في 30-12-2020
آخر تحديث 30-12-2020 | 00:01
 طالب الرفاعي نم قرير العين... كُثرٌ هم البشر، الذين لا يعرف النومُ سبيلاً لعيونِهم. يتمددون على صخر فرشهم، نيام وغير نيام. يقف همُّ أرواحهم بالمرصاد لمجيء نومهم، فينامون وهم ليسوا بنائمين، لذا، أنهكتَ جسدك، حتى أغمض عينيه مجبراً، وأسلم الروح لله، فنم قرير العين يا ناصر!

سنتان فصلتا بين مولدك وتصدير الذهب الأسود من أرض وطنك، لذا أبصرتْ عيناك شيئاً من كويت الضنك، ووجوه الرجال المتعَبة، وجدران الطين، وفسحة حياة السيف، بغابة أبوامها، ابتداء من شرق، مروراً بقصرٍ نُقِش على بوابته "لو دامت لغيرك ما اتصلت إليك"، وصولاً إلى "جبلة".

وكم تثنّت وطرِبت روحك العصية، لنغمة النهمة واليامال، وتمايل سيدات الحلم بأثوابهن الموشّاة بخيوط الذهب لغناء "السامري" كألذ ما يكون... لذا نم قرير العين!

عايشت بفكر شابٍ متوقد كيف تشيّأت مدينتك الصغيرة، منارة للخليج، وكيف سارت خارج أسوارها، وتوسعت وعلت مبانيها، لكنك بقيت تعشق روائح بخور "دسمان"، وتحنَّ لشواطئ جزيرة فيلكا، وأبتْ روحك إلا أن تبقى، فيلكا وأخواتها، تسكن خاطرك وتعشش بشواطئها الآسرة بين ثنايا أحلام روحك، وكم آلمك كسر إناء حلمك، لكنه شأن الحياة، بأن تملأ المصاعب صحون مائدتها اليومية، لذا كفاك تعباً، ونم قرير العين!

كلنا مثلك، نعيش ضيق وألم اللحظة بسعة أحلامنا، لكنك وأنتَ ناصر، أبيت إلا أن توسّع ضيق لحظتنا، بأن تدسَّ بين فجوات متاعبِنا أحلامك العريضة والملوّنة، حتى غدونا نحلم معك، وصرتَ رمز حلم وطنٍ كبير، نصبو إليه وسنبقى كذلك، وأظنه جد كبير، أن تجعل الآخر يحلم معك بحلمك، لذا نم قرير العين!

عشقتَ زخرفة حرف عربي، وغلاف كتاب قديم، ورنة إناء مرَّ على شفاه ملك أو جارية، وخلبت لبّك سجادة تحمل عبق رائحة أصابع تاريخ من صنعها، وتاهت نظراتك في ألوان لوحة ترى فيها ما لا يراه غيرك، لذا تلفّتَّ حولك، ورأيت ابتسامة "حصة"، وببشر نظرتها همست بك: وهل أجمل؟! وضعت كفّها بدفء كفّك، ومعاً سرتما، وجلبتما للكويت ولنا ولبشر العالم بشغفكما البهي، كنوز الشرق الأجمل، وسيرة الشعوب التي ستبقى خالدة عبر الفن، وتجعل من "دار الآثار الإسلامية" قبلة لكل متذوق فن وتاريخ وسرٍ دفين، أفلا يُهنئك ذلك؟

نم قرير العين!

ولِدت أميراً لأبٍ أمير ولجدٍ أمير، فكيف بك لا تكون كذلك؟

مشيت الدرب، وربما مرّت بك عبارة الإمام علي كرّم الله وجهه: "لا تستوحشوا طريق الحق لقلة سالكيه!"

وواصلت المشي بهمّة مؤمن، وقد لاح لكَ شيء من تحقّق حلمك بوطنك، آمنت بطريق الحرير، ورأيته ممتداً بلمعته من الصين وحتى رئة وطنك.

وقلت وقلت وقلت، وكنا، نحن، في قاعة الوطن، ومقاعد المواطنين، نسمعك ونردد معك!

يا ناصر، ألا تلفّتَّ وراءك ورأيت القافلة التي تسير بأثرك؟ لأقول لك: ستبقى تلك القافلة تسير، فهل أكبر من حثّك لسيرٍ على درب حلم وطن أجمل وأبهى وأبقى؟ نم قرير العين!

يذكرك كثيرون غيري، في مناحي الحياة الكثيرة، لكني وصحبي، نذكرك كأحدنا، نذكرك عوناً للإبداع والمبدع، وللثقافة والمثقف، وللكتاب والكاتب، للمسرح والمسرحيين، واللوحة والتشكيليين.

يا شيخ ناصر، نم قرير العين، فلك رحمة الله الواسعة وغفرانه، ولك أيضاً بقاءُ ذكراك العطرة بيننا!

back to top