إدارة بايدن لن تقدّم منافع كثيرة لروسيا

نشر في 29-11-2020
آخر تحديث 29-11-2020 | 00:07
 روسيا ماترز بعد كل انتخابات رئاسية أميركية، يتجدد الأمل دوماً بأن تكون الإدارة الجديدة أكثر نجاحاً من سابقاتها في تحسين العلاقات الأميركية الروسية، لكن قد تكسر انتخابات عام 2020 هذا النمط أخيراً، فحين يحلف نائب الرئيس الأسبق جو بايدن اليمين الدستورية في يوم تنصيبه في 2021، لن يتسلم منصب الرئاسة كمسؤول مثالي أو ساذج وغير مطّلع على الشؤون الخارجية، بل إنه سياسي مخضرم يعرف أولوياته جيداً ويطرح آراءً واضحة، بما في ذلك خيبة أمله الصائبة من النتائج التي حققتها جهود الرئيس باراك أوباما لإعادة ضبط العلاقات مع روسيا بدءاً من عام 2009.

هذا الوضع ليس إيجابياً بالنسبة إلى الكرملين أو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مما يفسّر على الأرجح تأخّر بوتين في تهنئة الرئيس الأميركي المُنتخب.

تحمل معظم الأسماء التي اختارها بايدن في أهم مناصب الأمن القومي في إدارته آراءً مشابهة لتوجهاته، حيث شدّدت نائبة الرئيس المُنتخب كامالا هاريس على استعدادها الدائم لمواجهة بوتين دفاعاً عن القيم الديمقراطية وحقوق الإنسان وحُكم القانون الدولي، وأكد أنتوني بلينكن، وزير الخارجية المحتمل، على أهمية إضعاف روسيا في المجتمع الدولي وعزلها سياسياً.

على صعيد آخر، لا يحمل بايدن أي خلفية قد تمنعه من إطلاق مبادرات تصالحية تجاه موسكو خوفاً من اتهامه بالعمالة للكرملين، بل إنه أثبت دوماً نزعته البراغماتية، فكان صوت الاعتدال والحذر داخل فريق الأمن القومي في عهد أوباما، لكن من المتوقع أن تُضعِف إدارة بايدن هامش المناورات الروسية على الساحة العالمية، فطوال أربع سنوات، نجح الكرملين في استغلال المخاوف السائدة من ضعف مصداقية إدارة ترامب وتصرفاتها غير المتوقعة لإقناع أهم حلفاء الولايات المتحدة في أوروبا وآسيا بتغيير رهانهم وعدم التخلي عن علاقتهم مع موسكو.

لهذه الأسباب، لن تكسب روسيا على ما يبدو أي منفعة من إدارة بايدن القادرة على استرجاع المكانة الأميركية الرائدة حول العالم. ولن يخسر الكرملين شيئاً إذاً حين يتمنى أن تشكّل الاضطرابات السياسية داخل الولايات المتحدة مصدر إلهاء لاستنزاف قدرات فريق بايدن في الأشهر الأولى من عام 2021.

لن يختار بايدن على الأرجح مؤيدي التواصل مع روسيا ضمن فريق الأمن القومي الخاص به، بل يرتفع عدد المشككين بنوايا روسيا في هذا الفريق، كما ترغب إدارة بايدن في تجديد اتفاق الحد من التسلح، لكن سيصبّ هذا الاتفاق في مصلحة روسيا أيضاً، وبالتالي لا حاجة إلى محاولة تحسين الصفقة عبر تخفيف العقوبات مثلاً أو الموافقة على عدم استهداف مشاريع الطاقة الروسية مثل "نورد ستريم 2". في هذه الظروف، لن يبذل الكرملين على الأرجح جهوداً كبرى للتواصل مع إدارة بايدن، لكنه سيحرص على حماية علاقاته المهمة الأخرى من أي تدخّل أميركي محتمل.

وفي حين يفكر الكرملين بالعملية الانتقالية الروسية، أي إعادة صياغة النظام السياسي وإيجاد خَلَف طويل الأمد لبوتين وإطلاق "مشاريع وطنية" لإعادة إحياء الاقتصاد الروسي، قد تقرر موسكو أنها لا تحتاج إلى مشاكل غير ضرورية في علاقتها مع الولايات المتحدة، وإذا استنتج فريق بايدن أنه يحتاج إلى فترة سلام وهدوء للتعامل مع خطة التعافي بعد زمن الوباء، فقد تنجح موسكو وواشنطن حينها في تجديد الحوار حول "الاستقرار الاستراتيجي" وتوسّعان مسار إزالة التضارب المحدود في سورية كي يشمل نقاط اشتعال أساسية أخرى حول العالم، ومن خلال تمديد معاهدة "ستارت الجديدة" وإيجاد الطرق المناسبة لإعادة إحياء اتفاقية "الأجواء المفتوحة" و"معاهدة الصواريخ النووية متوسطة المدى"، يمكن منع تدهور العلاقة الثنائية بدرجة إضافية لأن الحد من التسلّح يبقى من المسائل غير الخلافية القليلة بين واشنطن وموسكو، ومع أن هذه الخطوات قد لا تكون مساوية لعقد شراكة استراتيجية حقيقية، لكنها تعكس على الأقل هدفاً واقعياً وقابلاً للتنفيذ.

* نيكولاس غفوسديف*

back to top