القانـون المسيء

نشر في 27-11-2020
آخر تحديث 27-11-2020 | 00:06
 زعزوع الذايدي العنزي قانون المسيء رقم 27 لســـــنة 2016 ألغى رد الاعتبار وجعل العقوبة أبدية، وتعسف بأن جعل من يرتكبها يحرم حرمانا أبديا من حقوقه السياسية، وهذا النهج فيه تشدد وغلو، بل إنه يتنافى مع القرآن والسنة والدستور والقانون والمبادئ الإنسانية بشكل عام.

والدليل من القرآن قوله تَعَالَى: "اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ". وَقوله: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً"، وقوله جل وعلا: "وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ"، وقوله: "وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ". وقوله في سورة الفرقان: "وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً* يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً" ثلاث كبائر أعظمها الشرك، ثم القتل، ثم الزنى، لكنه يعفو عنهم بقوله عز وجل: "إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً"، وقوله: "وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى". فهذا من رحمته وإحسانه أنه يتوب على التائبين من الشرك، وما دونه من قتل أو زنى أو ربا أو غير ذلك، لكن المهم صدق التوبة وصحتها.

والدليل من السنة النبوية الشريفة حديث أبي هُرَيْرَةَ قالَ: سمِعتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: واللَّه إِنِّي لأَسْتَغْفرُ الله، وَأَتُوبُ إِليْه، في اليَوْمِ، أَكثر مِنْ سَبْعِين مرَّةً"، وحديث أبي مُوسى عبداللَّهِ بنِ قَيْسٍ الأَشْعَرِيِّ، عن النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: إِن الله تَعَالَى يبْسُطُ يدهُ بِاللَّيْلِ ليتُوب مُسيءُ النَّهَارِ، وَيبْسُطُ يَدهُ بالنَّهَارِ ليَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ حتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِن مغْرِبِها"، وحديث أبي عبدالرَّحْمن عبداللَّهِ بنِ عُمرَ بن الخطَّاب رضيَ اللهُ عنهما عن النَّبيِّ ﷺ قَالَ: إِنَّ الله عزَّ وجَلَّ يقْبَلُ توْبة العبْدِ مَا لَم يُغرْغرِ".

والدليل من الدستور والقانون ما نصت عليه المادة 32 من الدستور "لا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون، ولا عقاب إلا على الأفعال اللاحقة للعمل بالقانون الذي ينص عليها"، وكذلك المادة 179 من الدستور: "لا تسري أحكام القوانين إلا على ما يقع من تاريخ العمل بها، ولا يترتب عليها أثر فيما وقع قبل هذا التاريخ، ويجوز، في غير المواد الجزائية، النص في القانون على خلاف ذلك بموافقة أغلبية الأعضاء الذين يتألف منهم مجلس الأمة".

وقد نصت المادة 244 من قانون الإجراءات على أن: "كل حكم بعقوبة تظل آثاره الجنائية قائمة إلى أن يسترد المحكوم عليه اعتباره بحكم القانون أو بحكم قضائي". ويترتب على رد الاعتبار القانوني أو القضائي محو الحكم بالإدانة بالنسبة إلى المستقبل وزوال كل ما يترتب عليه من آثار جنائية. ونصت المادة 245 من قانون الإجراءات على أنه: "يرد اعتبار المحكوم عليه حتما بحكم القانون متى مضت المدة القانونية بعد تمام تنفيذ العقوبة أو صدور عفو عنها أو سقوطها بالتقادم".

إن كان الله عز وجل يغفر للمذنب جريمة الشرك والزنى والقتل عند توبته وفق الشروط التي جاءت في الأحاديث النبوية وجعل باب التوبة للعبد مفتوحاً مَا لَم يُغرْغرِ وقَبْلَ أَنْ تطلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مغْرِبِهَا، فهل يحق لقانون المسيء حرمانه منها الى الأبد متجاهلا ومخالفا ما جاء في القرآن والسنة والدستور والقانون، كما أن رجعة القوانين (الأثر الرجعي) خطيرة جدا، حيث إن السلطة تستطيع من خلاله تصفية خصومها بالبحث عما ارتكبوه من قضايا الرأي وتقوم بتشريع قانون يجرم أفعالهم ثم تطبقه بأثر رجعي وتحرم من تريد من حقوقه السياسية.

بالفعل إنه قانون مسيء ونقطة سوداء في مسار الديمقراطية وعلى المجلس القادم العمل على تعديله بما لا يخالف القرآن والسنة والدستور، وحفظ الله الكويت وقيادتها السياسية وشعبها من كل سوء ومكروه.

back to top