هواجس كبرى في أنقرة بعد فوز بايدن

نشر في 22-11-2020
آخر تحديث 22-11-2020 | 00:04
 جي ام اف تسود هواجس كبرى في أنقرة غداة انتخاب جو بايدن رئيساً للولايات المتحدة، حيث بدا الرئيسان دونالد ترامب ورجب طيب إردوغان متوافقَين في الفترة السابقة، فقد بذل ترامب جهوداً كثيرة لحماية أنقرة من إجماع الحزبَين الجمهوري والديمقراطي في الكونغرس على قرار فرض العقوبات ضد تركيا. تطول لائحة التوقعات التي تنتظرها الحكومة التركية من إدارة بايدن لكنها تتألف في معظمها من خطوات لا تريد حصولها، أبرزها الامتناع عن معاقبة تركيا وعدم تجديد التعاون الأميركي مع «حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني» في سورية.

اشترت تركيا وتلقّت أنظمة صاروخية دفاعية «إس-400» من روسيا، وتنطبق بنود «قانون مكافحة أعداء أميركا من خلال العقوبات» على هذه الصفقة، ورغم ضغوط الحزبَين الديمقراطي والجمهوري في الكونغرس لفرض العقوبات فوراً، فضّل ترامب تعليق هذا القرار، كذلك عُلّقت أجزاء أخرى من التشريع المرتبط بمعاقبة تركيا بقرارٍ من رئيس الأغلبية في مجلس الشيوخ ميتش أوكونيل، بما يتماشى مع نهج ترامب، لكن شُطِبت تركيا من برنامج التسلّح «إف-35» ولم تتلقَ سوى طائرتَين من تلك التي دفعت ثمنها.

أصبح الاقتصاد التركي في وضعٍ هش جداً وقد تترافق أي عقوبات بموجب «قانون مكافحة أعداء أميركا من خلال العقوبات» أو أي غرامة يفرضها «مكتب مراقبة الأصول الأجنبية» مع تداعيات كبرى، وسيكون التدبيران معاً كارثيَين حتماً. تتوقع الحكومة التركية من إدارة بايدن أن تساعدها في هاتين المسألتَين، لكن إذا اتّضح أن تلك المساعدة غير ممكنة، فقد يدعو الرئيس أردوغان إلى إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية مبكرة ويطلب من الناخبين أن «يلتفوا حول علم بلدهم» لمواجهة الهجوم الخارجي.

تعتبر تركيا «حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني» فرعاً سورياً من «حزب العمال الكردستاني» الذي تُصنّفه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي كتنظيم إرهابي، ولا يمكن الإغفال عن الروابط القائمة بين التنظيمَين ويُعتبر «حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني» الطرف الأقوى في هذه العلاقة. لهذا السبب، كان قرار الولايات المتحدة بالتعاون مع ذلك التنظيم ضد «داعش» في سورية من أكبر العقبات في العلاقات الأميركية التركية. وجّهت تركيا ضربات موجعة لـ»حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني» عبر «عملية غصن الزيتون» في شمال غرب سورية في 2018 و«عملية نبع السلام» في شمال شرق سورية في 2019. وبسبب هذه العملية الثانية تحديداً، قررت إدارة ترامب تقليص الدعم الأميركي لـ»حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني». قد توحي الظروف الراهنة بأن وضع تركيا مستقر، لكن لا مفر من تصاعد التوتر بين الطرفَين في حال قررت إدارة بايدن إعادة إحياء التعاون مع «حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني»، لذا تتوقع تركيا من الإدارة الأميركية المقبلة أن تفكّ ارتباطها بهذا التنظيم.

في المقابل تكثر التوقعات التي تنتظرها إدارة بايدن من تركيا، أبرزها الاحتكام إلى سياسات حلف الناتو مجدداً ومنع تصعيد الوضع في شرق البحر الأبيض المتوسط. حين يتكلم المحللون عن ابتعاد تركيا عن الناتو، غالباً ما يشيرون إلى علاقتها مع روسيا، لكنّ تلك العلاقة معقدة ويمكن وضعها في خانة التعاون التنافسي، حيث تقرّب البلدان من بعضهما غداة محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا في 2015، ثم اشترت تركيا أنظمة صواريخ دفاعية «إس-400» من روسيا، وعلى صعيد آخر يشارك الطرفان في حروب بالوكالة في سورية وليبيا (وفي «ناغورنو كاراباخ» لفترة وجيزة)، لذا ستتوقع إدارة بايدن من أنقرة أن تتخلى عن أنظمة «إس-400» وتشارك في الجهود الأميركية الرامية إلى احتواء روسيا.

تتكل تركيا في الفترة الأخيرة على جيشها لتجاوز التحديات التي تواجهها في شرق البحر الأبيض المتوسط، ويشكّل التدخل في ليبيا وتعبئة القوات البحرية في محيط جزيرة «كاستيلوريزو» خير مثال على ذلك، وأمام هذا الوضع، قد تقرر إدارة بايدن الضغط على تركيا لإقناعها بالتخلي عن هذه السياسة مستقبلاً أو حتى اتخاذ موقف يصبّ في مصلحة اليونان.

لكن ستكون مطالبة إدارة بايدن أنقرة بتطبيع علاقاتها مع «حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني» أحد الخطوط الحمراء التي ترفضها تركيا بشكلٍ قاطع، فثمة إجماع واسع في تركيا على اعتبار هذا التنظيم فرعاً من «حزب العمال الكردستاني»، وبما أن أردوغان يحكم البلد عملياً عبر تحالف قومي، فقد يُضعِف هذا المسار فرص فوزه في الانتخابات الرئاسية المقبلة.

باختصار، تثبت هذه المعطيات كلها أن التوقعات المتبادلة بين تركيا وإدارة بايدن ستُركّز بكل بساطة على منع تفاقم الوضع السيئ أصلاً.

* أوزغور أونلوهيسارجيكلي*

back to top