في ظلال الدستور: الاتجاهات الدستورية الحديثة... المصدر التاريخي للدستور

نشر في 22-11-2020
آخر تحديث 22-11-2020 | 00:09
 المستشار شفيق إمام في مقالنا المنشور على هذه الصفحة في عدد «الجريدة» الصادر يوم الأحد الأول من شهر نوفمبر، رددت المصدر التاريخي لدستور الكويت، إلى الاتجاهات الدستورية التي كانت خلاصة الفكر الإنساني، منذ فجر الثورة الفرنسية، وقد كانت إنكلترا من أقدم الدول التي أخذت بنظام الحكم الديمقراطي، وبمبدأ الفصل بين السلطات، الذي نادى به جون لوك، وكان أول تطبيق عملي لمبدأ الفصل بين السلطات في إنكلترا في القرن السابع عشر في دستور كرومويل، وذلك لحماية السلطة التنفيذية من استبداد البرلمان.

وقد كان مبدأ الفصل بين السلطات قد وقر في فكر الفلاسفة والعلماء منذ أقدم العصور، فقد كان رأي أفلاطون بضرورة فصل وظائف الدولة وفصل الهيئات التي تمارسها عن بعضها على أن تتعاون كلها وصولا للهدف الرئيس للدولة، وهو تحقيق النفع العام للشعب، وكان من رأي أرسطو كذلك عدم تركيز سلطات الدولة في يد واحدة، إنما يجب أن يعهد بها إلى هيئات مختلفة تتعاون فيما بينها وتراقب بعضها.

(انظر: النظريات والمذاهب السياسية- مصطفى الخشاب ص49- والدكتور عثمان خليل في كتابه "القانون الدستوري"، الطبعة الخامسة ص179).

وقد تمخضت الثورة الفرنسية عن مؤلفات قادت الفكر السياسي والاجتماعي والفلسفي في القرن الثامن عشر، منها كتاب "روح القوانين" لمونتسكيو، و"العقد الاجتماعي" لجان جاك روسو، حيث أضاف مونتسكيو إلى من سبقه، صياغة جديدة لمبدأ الفصل بين السلطات، فاعتبر هذا المبدأ شرطا أساسيا لقيام الدولة القانونية، وكان في ذلك متأثرا بتطور الديمقراطية في النظام الإنكليزي، فأصبح النداء للديمقراطية مرتبطا في أذهان الشعوب بالنداء لمبدأ الفصل بين السلطات.

(انظر د. طعيمة الجرف "مبدأ المشروعية ورقابة القضاء لأعمال الإدارة العامة"، مجلة القانون والاقتصاد في مصر- س29 ص893).

ثم جاء روسو، الذي يمثل السيادة في الهيئة التشريعية التي تمثل جموع الشعب وتمارسها باسم الشعب، أما السلطة التنفيذية فهي هيئة تابعة، ومن حق الشعب مراقبتها وإقالتها إذا اقتضى الأمر ذلك، وأرجع فصل السلطتين التشريعية والتنفيذية إلى اختلاف وضع وطبيعة كل منهما.

(انظر د. محمد كامل ليلة في كتابه "النظم السياسية الدولة والحكومة"، ص 559).

وبذلك يعتبر مبدأ الفصل بين السلطات جوهر النظام الديمقراطي، إذ لا تقوم قائمة لهذا النظام إلا إذا كان هذا المبدأ لحمته وسداه.

وقد كان دستور الكويت واضحاً في عباراته وألفاظه، وقاطع الدلالة بأن نظام الحكم ديمقراطي يقوم على أساس مبدأ الفصل بين السلطات، وأن السيادة للأمة مصدر السلطات.

فنص في المادة الأولى على أن: "الكويت دولة سيادة"، ثم عطف على ذلك في المادة (6) بأن "نظام الحكم في الكويت ديمقراطي، السيادة فيه للأمة مصدر السلطات جميعاً"، وفيما نصت عليه المادة 50 من أنه "يقوم نظام الحكم على أساس فصل السلطات مع تعاونها وفقا لأحكام الدستور".

دستور 1923 في مصر

وفي سياق الرد على من يقولون بأن دستور 1923 في مصر كان المصدر التاريخي لدستور الكويت نؤكد لهم ما قلناه في مقالنا السابق، بأن دستور 1923، لم يكن يليق بمصر أصلا، ودستور 1919 قد خرج من عباءة الحماية البريطانية، ومن عباءة ملك كان رافضا النزول عند النظام الذي ولاه، فلم يشر في كل نصوصه إلى الحكم الديمقراطي أو إلى مبدأ الفصل بين السلطات، أو أن الأمة مصدر السلطات، وذلك لمن يقولون بأن دستور 1923 هو المصدر التاريخي لدستور الكويت، نقول لهم نقيض ذلك تماما بأن دستور مصر بين الدولة والأمة والملك، فنصت مادته الأولى على أن "مصر دولة ذات سيادة وهي حرة مستقلة ملكها لا يتجزأ ولا ينزل عن شيء منه"، ودمجت هذه المادة بين الملك والحكومة فيما نصت عليه ما "أن الحكومة ملكية وراثية".

back to top