وجهة نظر: أيها البدون... أين تاريخكم المكتوب؟

نشر في 20-11-2020
آخر تحديث 20-11-2020 | 00:00
 صالح غزال العنزي تابعتُ قبل أيام إحدى حلقات برنامج "مع البرغش" عبر تطبيق زووم، وكانت الحلقة جميلة مليئة بالشجون، إذ كان موضوعها قضية البدون وما يتوقع لها من تطورات بعد الانتخابات، وكان ضيف الحلقة د. عبدالواحد الخلفان، وهو شخصية أكاديمية وإعلامية وسياسية مرموقة ومحبوبة شعبياً، وكالعادة كان الزميل محمد البرغش متميزاً في اختياره لضيوفه وفي إدارته للحوار، كما كان د.الخلفان كعادته أيضاً صريحاً وعميقاً ومباشراً وتلقائياً وواضح الرؤية في إجاباته حتى أن بعض الأسئلة وإجاباتها تحولت إلى ما يشبه البودكاست الحواري.

وما لفت نظري إحدى إجابات الضيف عن أحد الأسئلة، حيث ألقى باللوم تحديداً على المثقفين البدون من كتّاب وأدباء وإعلاميين ومؤرخين، فقد عاتبهم برفق عن تقصيرهم بكتابة التاريخ الخاص للبدون كفئة تاريخية واجتماعية أصيلة وغياب هذا النوع من المؤلفات عن المكتبة الكويتية، فلم يتم تدوين الإرث الثقافي لموطن البدون الشماليين في الصحراء الكويتية مثلاً، كما لم يتم التنقيب في أرشيف الوثائق البريطانية وما فيها من ذكر للأفراد أو الأسر أو القبائل التي كان لها دور معين أو ارتبطت ببقعة جغرافية كويتية معينة، والتي ما زال أبناؤها من البدون.

كما لم يبادر أي من الكتّاب البدون في الكتابة عن الإرث الوطني لهذه الفئة مثل دور بعضهم في تأسيس الجيش الكويتي أو المشاركة في الحروب العربية، أو دور بعضهم في حربي الاحتلال والتحرير، ودور بعضهم أيضاً في المشاركة بالمقاومة الكويتية للاحتلال الغاشم، أو المشاركة في الإدارة الشعبية للمناطق في فترة الاحتلال.

ولعل الإرث الوطني للبدون مليء بالمشاركات الخدمية منذ عقود قديمة من الزمن، خصوصا في البواكير الأولى لنشأة الكويت الحديثة، حيث تمتلك العديد من الأسر وثائق كثيرة وقيمة عن الأدوار الوطنية لعمل أسلاف البدون الحاليين في المنشآت النفطية والدوائر الخدمية كالكهرباء والبلدية والصحة قبل أن تتحول هذه الدوائر الى وزارات.

والحقيقة أننا تعودنا في الكويت على ألا نرى قيام أطراف بتدوين تاريخ أطراف أخرى دون أن يكون للمدوّن مصلحة في الكتابة أو أن يكون جزءا من الخاص الذي يتم تدوينه عاماً بالضرورة، ولذا فإن إحدى أهم مراحل نيل الحقوق لهذه الفئة إثبات الحقائق والأدوار التاريخية لها بصورة لا يمكن إنكارها، أو كأمر واقع غير قابل للرفض أو التجاهل، خصوصاً إذا كتب هذا التاريخ بطريقة توثيقية علمية محكمة، وتم دمجه ضمن التراث الوطني للدولة وضمن الإرث الاجتماعي الكويتي، وهو ما يمكن أن تستفيد منه النخب الواعية في الكويت، خصوصا المهتمة منها بحقوق الإنسان بصدق، وهم كثيرون ولله الحمد، مما سيؤدي حتماً إلى ضرورة التعامل مع ملف البدون بكل تشعباته وتداخلاته بأسلوب مختلف عما يتم التعامل به مع هذا الملف حالياً، وهو تعامل أثبت منذ ما يقارب الثلاثين عاماً على أقل التقديرات فشلاً ذريعاً وضع الدولة بكل مؤسساتها في مأزق لا يمكن المضي به قدماً، فأصبح التراجع عن هذا الفشل ضرورة وطنية، وأصبحت العودة للواقعية والفهم التاريخي والاجتماعي لأبعاد المشكلة أولى بكثير من النظرة الأمنية المحدودة التي لا تخدم الدولة في هذا الملف بتاتاً، فالوطن بحاجة الى الحلول المنصفة أكثر من حاجة هذه الفئة للإنصاف.

back to top