أميركا ليست جمعية خيرية

نشر في 09-11-2020
آخر تحديث 09-11-2020 | 00:20
 أ.د. غانم النجار هكذا حسمت بنسلفانيا انتخابات الرئاسة الأميركية لصالح جو بايدن، فعادت بي الذاكرة لتلك الولاية المتعددة المشارب؛ العلمية والصناعية والثقافية.

في منتصف السبعينيات كنت في جامعة بيتسبرغ، وكعادتي في الاهتمام بالقضايا العامة، وبناء على نصيحة أستاذي بمادة "نظام سياسي أميركي" بأن الانتخابات ستختصر عليك الكثير لمعرفة أميركا وحيويتها، فكان أن تصادف إجراء انتخابات حاكم ولاية بنسلفانيا، الذي كانت حملته تجربة تعليمية مفيدة وشيقة، حتى صارت متابعتي للانتخابات الأميركية لصيقة، وبالتحديد انتخابات الرئاسة، حتى يومنا هذا.

الانتخابات الأميركية بذاتها تختلف عن انتخابات الدنيا، فقد يفوز المرشح بأعلى الأصوات الشعبية، لكنه يخسر من كيان معين يطلق عليه المجمع الانتخابي، الذي يقرر الفائز الذي يحصل على 270 صوتاً. لم أجد في الأنظمة السياسية شبيهاً لذلك إلا في الصومال، التي أعرفها جيداً، وربما لذلك حديث آخر.

بفوز بايدن، برزت مجموعة من الأوائل؛ كأعلى مشاركة شعبية في التاريخ، وحصول بايدن على أعلى أصوات ناخبين، كما حصل ترامب على أعلى رقم لمرشح خاسر، ويعتبر بايدن أول نائب رئيس لرئيس أسود يصبح لاحقاً رئيساً منتخباً، كما أن نائبة الرئيس هي أول امراة تشغل هذا المنصب الرفيع، وأول مرة تصل لهذا المنصب لوالدين مهاجرين من جامايكا والهند، ولا داعي هنا للمقارنة بحالنا، فالأجيال المتعاقبة من البدون قرّرنا تسميتهم مقيمين بصورة غير قانونية. وهي أول انتخابات رئاسية تجرى تحت وطأة وباء كورونا، بتصاعد مستمر، كما أنها أول مرة يرفض فيها الرئيس الخاسر القبول بنتائج الانتخابات، منذ ما يزيد على قرنين، وهي المرة الأولى التي يفوز فيها رئيس من ولاية ديلاور الصغيرة، وهو ثاني رئيس كاثوليكي منذ الستينيات... وغير ذلك من الأوائل. الرئيس ونائبته مؤشران على حجم الممكن.

الحماس الحكومي والشعبي العربي كان كبيراً، وكل طرف يوجه نصائحه وقائمة متطلباته لمن هو في البيت الأبيض، حتى تخال أن بعضهم مواطنون أميركيون، ينتقدون الديمقراطية، وهم بالكاد لا يستطيعون فتح أفواههم، إلا للتثاؤب.

التكالب الدولي لمتابعة الانتخابات ربما يعكس في طياته رغبة دفينة في أن تعود أميركا لقيادة العالم، ويعلنون رغباتهم بما يفترض أن تقوم به أميركا خدمة لمصالحهم، وكأن أميركا جمعية خيرية، بينما انتخابات أميركا هي لتحقيق مصالح أميركا، وليس لتلبية مصالح آخرين، إلا بما يحقق مصالحها.

بايدن سيواجه تحديات كبيرة، أهمها: وباء كورونا، والركود الاقتصادي الحاد، والتعامل مع حالة الانقسام الحادة في الداخل الأميركي. وفيما تبقى من الوقت والمساحة سيبدأ في استعادة زمام المبادرة للسياسة الخارجية، ليس على شكل هبات أو عطايا، ولكن بما يحقق المصلحة الأميركية بصورتها الشاملة، وربما من ضمنها دعم الديمقراطية وحقوق الإنسان. فليس في قدوم هذا الرئيس أو رحيل ذاك أوهام من أي نوع، حتى لا نحرث في البحر.

برحيل ترامب، ربما تكون نهايات 2020 أفضل من بداياتها، وربما يقلل رحيله عن الساحة من حجم الضجيج والضوضاء بعض الشيء.

back to top