وجهة نظر: وجاهات حقيقية ووجاهات مصطنعة

نشر في 06-11-2020
آخر تحديث 06-11-2020 | 00:05
 صالح غزال العنزي تعتبر صناعة الوجاهة هدفاً اجتماعياً قديماً وحديثاً، وإن كانت قد أخذت أبعاداً تجاوزت حدود المقبول في السنوات الأخيرة، وتنقسم هذه الصناعة الى نوعين أحدهما طارئ أو مصطنع يأتي عبر المال أو السلطة، والآخر أكثر ديمومة ويأتي عبر متتالية الوراثة، وعادة ما يكون النوع الأول مؤقتاً ولا يورّث لأنه يقع في معضلتين تلقائيتين هما أن الجاه يزول بزوال المال أو السلطة، وهو يؤخذ من الناس عنوة ولا يعطى منهم تقديراً، في حين أن النوع الثاني أكثر صدقاً وتلقائية واستمراراً وأكثر أهمية في الدور الاجتماعي.

وما هذا الصراع والنهم نحو المناصب والثروات الذي نلاحظه في السنوات الأخيرة إلا محاولات للوصول الى الوجاهة بكل الطرق ومهما يكن الثمن، مع ملاحظة عدم اندفاع أصحاب الوجاهات الوراثية في المنافسة على المناصب التي يرى بعضهم نفسه أكبر منها أو لا حاجة له بها لأنها لن تزيده شيئاً، وحتى إن حاول بعض الوجهاء الوراثيين ارتقاء المناصب أو جمع الثروات بصورة منفردة فإنها مجرد محاولات للتميز الفردي داخل مجتمع التميز الوراثي لا ظاهرة عامة.

وصناعة الوجاهة عبر المال والسلطة تعتمد أساساً على تفعيل العائد العاطفي للمال، أو استغلال المناصب لحيازة الولاءات، في حين تأتي الوجاهة الوراثية كنتيجة ضمنية وطبيعية لصفات الوجاهة الأزلية الثلاث المستورثة لدى العرب (الكرم– الشجاعة- الفصاحة) حصراً، لكن الفرق بين الوجاهتين شاسع، فصاحب المال وصاحب السلطة يعانيان من إشكاليتين: الأولى حداثة الوجاهة وعدم ارتباطها بجذور راسخة، والثانية محاولة الوجيه الدائمة في التميز لتعويض الشعور الذاتي بالتساوي مع الآخرين اجتماعياً، ومحاولته الانقلاب على الواقع وتجاوز القواعد الاجتماعية الراسخة بفرض واقع اجتماعي يخدمه.

ورغم أن الوجاهة الاجتماعية ذات الجذور التاريخية يرافقها المال أحياناً، إذ إن لدى بعض الوجهاء الاجتماعيين ثروات طائلة أو مناصب كبيرة، إلا أن وجاهتهم الاجتماعية هي الغالبة وهي التي يولونها الاهتمام، ووجاهاتهم الأخرى بما فيها المال أو السلطة تكون دونها، وهو ما يجعل من حالة الاستدامة صفة دائمة للوجاهات الاجتماعية الوراثية، وتجعل وجهاء المال يحاولون باستمرار شراء بعض أسباب الاستدامة بالمال لضمان شيء من بقائها بعد زوال المال أو المنصب، وهو الأمر الذي قد ينجح جزئياً أو لا ينجح مطلقاً.

ويبدو أن الوجهاء المحدثين يعانون في الغالب من عقدة سلوك الأفراد العدائي لهم في مجتمعاتنا، والذي يقوم على تقديم فروض الهيبة للوجيه بحضوره، وممارسة بعض أنواع الذم بحقه في غيابه، ابتداءً من العوز الذي عاشه أسلافه، وانتهاءً بالبخل أو الغرور الذي يتسم به، وما يقع بين الابتداء والانتهاء من أنواع الذم المختلفة.

وقد يكون هذا الذم مبالغاً فيه أو ليس له أساس من الصحة، لكن طبيعة المجتمعات العربية حديثها وقديمها تقدّر الوجاهة الوراثية ولا تقدّر الوجاهة العصامية، إذ باستطاعة الأفراد أن يحمّلوا المسؤولية لأسلافهم الذين عجزوا عن مجاراة أسلاف الوجهاء التاريخيين، لكنهم لا يعترفون بعجزهم عن مجاراة الأثرياء المعاصرين مالياً أو سلطوياً، ولذا تجدهم يختلقون الأعذار لأنفسهم مرة في ندب الحظ الذي لم يخدمهم ومرة برمي الوجهاء بتهم تحط من قدرهم من أجل الوصول إلى المستوى الذي يتساوى فيه الغني والفقير حتى إن كان التساوي وهماً.

back to top