فوز بايدن... ماذا يعني لاقتصادات دول الخليج؟

• الرئيس المُرجَّح مناهض للنفط التقليدي وداعم لقضايا البيئة والمناخ والاستثمار في الطاقة البديلة
• الديمقراطيون يتوجسون من شفافية الصناديق السيادية الخليجية واستثماراتها

نشر في 06-11-2020
آخر تحديث 06-11-2020 | 00:05
محمد البغلي
محمد البغلي
الرئيس المحتمَل ركز في جانب مهم من خطابه الانتخابي على قضايا المناخ والبيئة، وتعزيز الاستثمارات الخضراء، والتحول نحو الطاقة المتجددة، مع التعهد بإزالة الكربون من قطاع الكهرباء في الولايات المتحدة بحلول عام 2035.
مع مؤشرات اقتراب إعلان فوز جو بايدن في الانتخابات الرئاسية الأميركية، فإن الاقتصادات الخليجية على موعد جديد مع تحديات مختلفة عن تلك التي واجهتها في عهد سلفه دونالد ترامب، والتي تركزت خلال 4 سنوات ماضية على الضغط القسري بزيادة الإنتاج النفطي، ليحصل المستهلك الأميركي على بنزين وكهرباء أرخص، والتلويح بإقرار قانون نوبك، الذي يعتبر منظمة أوبك كياناً احتكارياً في سوق النفط، فضلاً عن اللعب على أوتار الأزمة الخليجية لزيادة مبيعات السلاح لدول المنطقة، رغم ضغوطات الميزانية والعجز، سعياً من الأطراف المتنازعة لكسب جزء من ودّ الإدارة الأميركية.

بايدن والبيئة

وكقراءة أولية في الجانب الاقتصادي، فإن فوز المرشح الديمقراطي لا يعني أن الأوضاع ستكون مريحة لدول الخليج العربية المصدرة للنفط، والتي تعتمد عليه اعتمادا أساسيا في إيراداتها، فالرئيس المحتمَل بايدن ركز في جانب مهم من خطابه الانتخابي على قضايا المناخ والبيئة وتعزيز الاستثمارات الخضراء، والتحول نحو الطاقة المتجددة، وبالتالي رفع الدعم والتسهيلات عن صناعة النفط الصخري، مع التعهد بإزالة الكربون من قطاع الكهرباء في الولايات المتحدة بحلول عام 2035، وإطلاق برنامج يحقق صافي انبعاثات صفرية من الكربون بحلول عام 2050، واستثمار 1.7 تريليون دولار خلال فترة رئاسته في توفير البدائل البيئية من الطاقة المتجددة، مؤكداً أمام قواعده الانتخابية أن الطاقة النظيفة ستكون أهم محرك لتوفير الوظائف والفرص الاقتصادية في القرن الـ21، عبر تركيب عشرات الآلاف من توربينات طاقة الرياح وملايين ألواح الطاقة الشمسية، ومضاعفة طاقة الرياح البحرية بحلول عام 2030، في مسعى لتعويض ما ستفقده الوظائف والفرص الاقتصادية في قطاع النفط التقليدي.

بالطبع، لا تبدو عملية التحول الى الطاقة النظيفة سهلة او سريعة، بأي حال من الاحوال، لكنها تعطي دعما قويا ومتدرجا لسياسات بيئية في نفس الاتجاه المتنامي نحو الطاقة البديلة او النظيفة، لا سيما مع إعلان كل من شركتي رويال داتش شل وبريتش بتروليوم "بي _ بي"، وهما من أكبر 7 شركات نفط حول العالم، قبل شهر، عن مشاريع ضخمة للاستثمار في الطاقة المتجددة، إلى جانب أن العالم اليوم يشهد نموا لمصطلحات مثل الاقتصاد الأخضر والسندات البيئية والمشاريع الخضراء والمدن النظيفة، في وقت تتزايد فيه تحديات الطاقة التقليدية في العالم، لاسيما مع موجات أزمة كورونا، وضعف الطلب العالمي على النفط، والذي ربما يعزز جانباً منه توصُّل بايدن إلى اتفاق تجاري ينهي حرب ترامب مع الصين.

النفط الإيراني

لكن، حتى إنْ تعزّز الطلب على النفط، مع حلحلة الحرب التجارية مع الصين؛ فإن بايدن يبدو داعما لمشروع "عودة إيران" إلى الاتفاق النووي، الذي خرج منه منافسه الجمهوري دونالد ترامب، مما سيكون له تأثير كبير على زيادة إمدادات النفط العالمية، وهذا سيضيف نحو مليوني برميل من النفط يومياً في سوق يعاني أصلا من تخمة المعروض.

بالطبع، تدخل عوامل متعددة في تحديد السياسات الأميركية، ولا تقتصر على الرئيس نفسه، كطبيعة تكوين "الكونغرس"، ومدى فاعلية قوى الضغط من الشركات النفطية، ولكن في المقابل يجب ألا ننسى أننا أمام وضع جديد ومختلف في سوق الطاقة بشكل عام.

شفافية الصناديق السيادية

بعيداً عن النفط، فإن الديمقراطيين في الولايات المتحدة أكثر توجساً من الجمهوريين تجاه ما يعرف بشفافية الصناديق السيادية واستثماراتها، إن كانت بدوافع فنية أو سياسية واستراتيجية، ومن المعروف أن صناديق الثروة السيادية الخليجية، التي تناهز قيمتها نحو تريليوني دولار، تعتبر محدودة الشفافية، حسب مبادئ سانتياغو. ومنذ عام 2008 قبل وقوع الأزمة المالية العالمية بأشهرٍ كان الخطاب الديمقراطي في الولايات المتحدة، ومعه العديد من حكومات الدول الأوروبية، يحذّر من سطوة وملكيات الصناديق السيادية الخليجية في الاقتصاديات الأميركية والأوروبية، واستخدامها كأدوات للضغط السياسي او التجاري في المستقبل. ومعروف أن أغنى دول الخليج العربية (السعودية، والإمارات، وقطر، والكويت) تمتلك مجتمعة في سندات الدين الأميركي نحو 300 مليار دولار.

واعتبرت لجنة الأوراق المالية والبورصات الأميركية، وقتها، أن بعض الصناديق السيادية (الخليج والصين وروسيا) ربما تكون عرضة لإساءة استغلال صلاتها الرسمية، للحصول على معلومات غير متاحة للجمهور، أو مقاومة التعاون في قضايا الأوراق المالية، التي تكون استثماراتها طرفاً فيها.

صحيح أن وقوع الأزمة المالية العالمية شغل العالم، لاسيما في أميركا وأوروبا، عن مسألة الصناديق السيادية الخليجية وشفافيتها، إلا أن المخاوف لديهم دائماً قائمة من ألا تتحلى حكومات الخليج بالحصافة في إدارة الاستثمارات العالمية بحدوث عمليات فساد أو تعاملات مشبوهة، فضلاً عن دخول هذه الصناديق في حسابات السياسة بشكل يهدد الأمن القومي، أو أن تكون غطاء لاستثمارات صينية أو روسية غير مكشوفة في العالم الغربي، خصوصاً أن استثمارات الصناديق السيادية الخليجية مركزة في قطاعات مالية ومصرفية ونفطية ذات قيمة عالية في الاقتصادات الغربية والأوروبية، مما يفتح المجال لإعادة طرح الموضوع مجدداً في عهد الرئيس الديمقراطي الجديد.

حقيقة وارتهان

وبكل الأحوال، فإننا أمام حقيقة مؤسفة ومرة، وهي أننا في منطقة الخليج مرتهنون وواقعون تحت تأثير السياسات الاميركية أكثر من أي منطقة في العالم، ولا شك أن تغيير الرئيس في أميركا يؤثر في الجانب الاقتصادي ومستقبل المنطقة بأكثر مما يجب أن تتأثر به دول تمتلك ما يوازي 40 في المئة من احتياطيات النفط العالمية، وثروات مالية هائلة توازي تريليوني دولار، وبالتالي فإنه لا خيار لدينا إلا بإصلاح دولنا وتحديد المستهدفات الاقتصادية السليمة وتجاوز الخلافات السياسية، والتركيز على مصالح شعوب المنطقة، بلا خداع للنفس أو الدخول في صراعات جانبية أو ارتهان للغير.

back to top