النداء الأخير للعلاقات عبر الأطلسي

نشر في 01-11-2020
آخر تحديث 01-11-2020 | 00:00
 بروجيكت سنديكيت لقد أدلى العديد من الأميركيين بأصواتهم بالفعل، وسيذهب آخرون قريبا إلى صناديق الاقتراع فيما سيكون أهم حدث سياسي في العالم لهذا العام، وتعتبر الانتخابات الرئاسية الأميركية لعام 2020 لحظة مصيرية بكل معنى الكلمة، ليس بالنسبة للديمقراطية الأميركية فقط، بل بالنسبة للشراكة عبر الأطلسي، ومستقبل الغرب أيضا.

وإذا أعيد انتخاب دونالد ترامب، فهناك أسباب وجيهة تدعونا للشك في أن العلاقات عبر الأطلسي ستستمر خلال السنوات الأربع المقبلة، أو أن الغرب سيبقى متحدا بأي طريقة مجدية، وسيكون ذلك كارثة حقيقية في عام كارثي أصلا.

ولحسن الحظ، مافتئ منافس ترامب الديمقراطي، جو بايدن، يتقدم باستمرار في استطلاعات الرأي، مما يعني أنه في وقت قريب، قد تكون هناك فرصة لإحياء دور الفاعل الجيوسياسي الذي يضطلع به الغرب، والسؤال هو كيف ينبغي أن تبدو العلاقة عبر الأطلسي بعد ترامب. إن مجرد العودة إلى حقبة ما قبل ترامب ليس خيارا، لقد تغير الكثير على جانبي المحيط الأطلسي في السنوات القليلة الماضية، بما في ذلك العناصر السياسية الرئيسة نفسها.

وبالنسبة للولايات المتحدة، لا يمكن العودة إلى الوضع السابق الذي مكن أوروبا من استغلال الأمن، فالشكوى من أن أعضاء الناتو الأوروبيين لم يساهموا بنصيبهم العادل في الدفاع المشترك لا يقتصر على ترامب، ولكن الأوروبيين، بدورهم، لن ينسوا الصدمة التي خلفتها رئاسة ترامب في وقت قريب، وقد أدركوا بالفعل أنه يجب عليهم الاعتماد أكثر على قوتهم وسيادتهم في السنوات المقبلة.

في الواقع، بدأ التركيز المكثف على آسيا منذ نهاية الحرب الباردة، وأكثر من ذلك منذ انضمام الصين إلى منظمة التجارة العالمية والصعود الاقتصادي والتكنولوجي والعسكري، وحوّلت كل هذه التطورات مركز الثقل الجيوسياسي من المحيط الأطلسي إلى المحيط الهادئ. وفضلا عن ذلك، مرت أوروبا أيضا بمحور ضمني تجاه آسيا، حيث أصبحت تعتمد بصورة متزايدة على الشراكة التجارية مع الصين. ولكن نظرا لأن الاتحاد الأوروبي لم يكن عنصرا سياسيا عالميا، فإن هذا التحول لم يجذب الكثير من الاهتمام، ناهيك عن مناقشة استراتيجية أوسع. وأوروبا ليست قوة في المحيط الهادئ، لذلك تُركت تعمل على أنها ذيل غربي لأوراسيا. ولكن كل هذا سيتغير بصورة كبيرة في السنوات القادمة، وحتى في عهد بايدن، ستكون الصين القضية الاستراتيجية المركزية التي تواجه الغرب عبر الأطلسي، فهل ستتسم العلاقات الصينية الغربية بالمواجهة و"الانفصال"، التجارة والتعاون، أم مزيج معقد من الاثنين؟

إن الأسئلة حول معاملة هونغ كونغ والصين للأقليات مثل الأويغور ستجر حتما القيم الغربية إلى هذا المزيج، وفيما يتعلق بتايوان، هناك سبب وجيه للخوف من أن التنافس بين القوى العظمى الجديدة سوف يتصاعد إلى حد المواجهة العسكرية، نظرا إلى أن تصرفات الصين في هونغ كونغ قد أبطلت الصيغة القديمة (دولة واحدة ونظامان) للحفاظ على السلام والاستقرار في مضيق تايوان.

ومن الواضح أنه يجب تجديد التعاون الأميركي الأوروبي في عدد لا يحصى من النزاعات الإقليمية، ولكن هذا لن يأتي بسهولة بالنسبة لأوروبا، ففي ألمانيا، على وجه الخصوص، يتعين على الحكومة الفدرالية أخيرا دعم الأقوال بالأفعال إذا أرادت تقوية الشراكة الأمنية عبر الأطلسي، ووقف الانجراف الأميركي نحو سياسة خارجية أكثر انعزالا. وبعبارة أخرى، يجب أن تصبح أوروبا عنصرا عالميا قويا في حد ذاتها، عن طريق بناء القدرات السياسية والعسكرية الضرورية ودمجها في إطار الناتو، ويجب ألا يتوهم القادة الأوروبيون (وخاصة الألمان): وسيكون الانخراط الأمني الأوروبي الأعمق هو الثمن لإعادة استئناف الشراكة عبر الأطلسي في ظل إدارة بايدن.

وبصرف النظر عن الصين والإنفاق الدفاعي، هناك صعوبة ثالثة في العلاقات مع الولايات المتحدة ما بعد ترامب: سعي الاتحاد الأوروبي إلى السيادة التكنولوجية وتقرير المصير، إذ تهيمن شركات التكنولوجيا الأميركية الكبرى على السوق الرقمية للاتحاد الأوروبي إلى حد كبير، مما يعني أنه إذا أراد الاتحاد الأوروبي تحقيق السيادة في مجال البيانات، فيجب عليه بناء منصات وسحب وما إلى ذلك، بالإضافة إلى إخضاع جميع مقدمي الخدمات في أوروبا إلى النظم الرقابية الداخلية. ومن بين أمور أخرى، تحتاج أوروبا إلى وضع قواعدها ومعاييرها الخاصة لضمان بقاء جميع البيانات الخاصة بالمواطنين والشركات الأوروبية في أوروبا؛ ويحتاج إلى تقليل اعتماده على الآخرين عندما يتعلق الأمر بالأجهزة الأساسية التي تدعم التقنيات الرقمية الحالية. وستصبح هذه القضايا مصادر خلاف كبير في العلاقات عبر الأطلسي، ولكن على الأقل في ظل رئاسة بايدن، سيعامل حلفاء الولايات المتحدة مرة أخرى على أنهم حلفاء، ولن تكون التعددية موضع ازدراء من قبل بطلها السابق، وستنضم الولايات المتحدة مرة أخرى إلى بقية العالم في اتفاقيات المناخ الدولية ومؤسسات الحوكمة العالمية مثل منظمة الصحة العالمية، وستعطي هذه التطورات بعض الأمل في المستقبل.

بعد أربع سنوات من حكم ترامب، يجب على جميع الأطراف المعنية أن تفهم كيف يبدو البديل لتحالف شمال الأطلسي القوي، وماذا سيكون ثمن هذا البديل. وسيتأثر المشهد الجيوسياسي العالمي بصورة مباشرة بما يحدث في العلاقة عبر الأطلسي، ويمكن أن تكون الفترة المتبقية من القرن الحادي والعشرين فترة تنازع القوى العظمى وتعميق عدم الاستقرار، أو يمكن أن تؤدي إلى توازن القوى، حيث يكون لأوروبا ثقل محسوس داخل مثلث جيوسياسي أوسع.

فهل يستطيع الاتحاد الأوروبي حشد القوة والرؤية ليصبح عنصرا عالميا من الناحية الأمنية والجيوسياسية؟ نعم، ولكن فقط إذا كانت مستعدة لاغتنام الفرصة التي ستوفرها رئاسة بايدن وقادرة على ذلك.

*يوشكا فيشر

* وزير خارجية ألمانيا ونائب المستشار من 1998 إلى 2005

back to top