يوميات بحار في رحلة العودة من الهند

تجربة فريدة من نوعها خاضها جاسم الفيلكاوي وعمره 24 عاماً

نشر في 01-11-2020
آخر تحديث 01-11-2020 | 00:03
بدأ د. يعقوب الحجي بالمقدمة ليوميات البحار جاسم منصور الفيلكاوي، والتي تروي قصة الفيلكاوي بأسلوب شيق وسلس وفيه متعة الإبحار في عالم الغوص، وفي حياة رجل من أهل الكويت خاض تجربة فريدة من نوعها، فلم يكن من المعتاد أن يدون بحار يوميات رحلاته على سطح سفينة شراعية في دفتر خاص به، أو أن يحفظ هذا السجل من الضياع، ولم يكن من المعتاد أيضا أن يتحول بحار إلى ماسك للدفة (سكْوني) خلال رحلة بحرية قام بها إلى الهند أو اليمن لأول مرة بحياته، ولا هو من المعتاد أن يلم بحار بالقواعد الفلكية والملاحية اللازمة لمثل هذه الرحلات، ويقوم بتدوينها في دفتر خاص به دون تكليف من أحد، لكن البحار والسكوني جاسم منصور الفيلكاوي (فيلجاوي) قام بهذا كله، حين كان شاباً في الرابعة والعشرين من عمره، وحين كان ضمن بحارة السفينة (البوم إمسليني)، والتي كانت بقيادة النوخذة أحمد محمد طاهر (أحد نواخذة جزيرة فيلجة)، فخلال هذه الرحلة إلى سواحل الهند الغربية عام 1948م تأخر أحد السكْونية عن الحضور إلى السفينة في يوم عودتها إلى الوطن، فاضطر النوخذة أحمد طاهر إلى اختيار البحار كي يحل محل السكوني المتأخر بدلاً من الانتظار ريثما يعود إلى سفينته، وإليك ما ذكره جاسم بهذا الخصوص في دفتره هذا.

في رحلة الذهاب للهند

"قال النوخذة: يا شباب هذا يومكم، قام الجميع بعمل شاق لتجهيز البوم للسفر، الساعة 11 ليلاً خرجنا من خور عمرقان وكان الهوا عيوقي شديد، بعد صلاة الصبح دعاني النوخذة وقال: صليت؟ قلت له: نعم، قال: أمسك دولاب السكان، قلت له: أنا؟ قال النوخذة: أنت، قلت للنوخذة: أنت تعرفني، هذه أول سفرة لي أسافر معك، وأنا لم أعرف مهنة السكون، وهذا خطر على السفينة، قال النوخذة: ما في أحد طلع من بطن أمه متعلم، والواجب عليك أن تمسك السكان محل عمك حسين". حاولت أن يختار غيري، لكن هو مصمم على كلامه، أمسكت دولاب السكان وهو قريب مني يعلمني كيف ألف الدولاب وعيني على الديرة والشراع وأحرص على نجم الديرة.

ساعدني النوخذة من زام إلى زام، لمدة ثلاثة أيام، بعدها قال لي: أراك قد تعلمت مهنة عمك، واليوم المسؤولية عليك من جميع المخاطر، الحمدلله هذا من فضل الله ومن فضل النوخذة أحمد محمد طاهر – ذهبت بحار ورجعت سكوني. وصلنا جزيرة فيلجة بعد 26 يوما بحث لم يحالفنا الحظ – كان الهواء ضدنا يوماً ومقطوع الهوا يوم آخر".

نعم، ركب جاسم كبحار في رحلة الذهاب هذه إلى الهند، وعاد منها وهو سكوني، شهد له بهذا النوخذة أحمد ذاته، وحاز إعجابه.

ولكن الطاقة الكامنة والإعداد الذهني والعزيمة التي تحلى بها هذا الشاب جميعها كانت في إمكاناتها أكبر من مجرد إدارة الدفة، ومعرفة المجاري البحرية، لقد كان جاسم قد أعدته مشيئة الله كي يصبح نوخذة سفر مثل غيره من نواخذة الكويت، لو أنه حظي بالعناية الكافية وبالتشجيع، وبإعطائه فرصة لإثبات ذلك، هذا ما يستنتجه القارئ ليومياته التي سطرها في هذا السجل، فهي تدل على إدراك هذا الشاب لمسؤوليات النوخذة وطريقة عمله، وبخاصة قياسه لمواقع السفينة وفي البحر المفتوح، إضافة إلى المجاري التي لابد لكل نوخذة أن يعرفها، حتى لغته العربية جيدة وخطه مقروء، كما أن وصفه للظروف والأحوال البحرية التي مرت بها السفينة تدل على تمكن لا يوجد إلا عند القليل من البحارة.

السهم الواحد

ويستعرض الكتاب الصادر حديثاً عن مركز البحوث والدراسات الكويتية، حياة الفيلكاوي، والذي ولد في جزيرة فيلجة عام 1924م، ودرس القرآن ومبادئ العربية عند المطوع محمد التركيت، وفي صباه ركب في رحلات لصيد الأسماك مع النوخذة محمد الهولي في سفينته (الشوعي) بالقرب من جزيرة مسجان وبوبيان، ثم ركب في أول رحلة سفر له إلى ساحل الهند الغربي عام 1948م مع النوخذة أحمد محمد طاهر، وكانت ثمرة هذه الرحلة هذا السجل لرحلة العودة من الهند إلى الوطن.

وحين عاد بسلام أصبح "سكْوني" يتقاضى سهما ونصف بدلا من السهم الواحد المخصص لكل بحار، وفي رحلته التالية ركب وهو "سكْوني" مع النوخذة محمد فرج (من نواخذة جزيرة فيلجة)، ثم مع نواخذة آخرين، حتى ترك السفر الشراعي عام 1952م، وذهب إلى مدينة الكويت حيث عمل مع غيره من البحارة والمجادمة في شركة نفط الكويت في الأحمدي حتى عام 1956م.

ثم عاد إلى مسقط رأسه (في جزيرة فيلجة) ليعمل موظفاً في وزارة التربية وينزح بعدها مع باقي سكان هذه الجزيرة إلى مدينة الكويت، ويتفرغ لتأليف الكتب عنها وعن سنوات حياته التي عاشها في هذه الجزيرة التاريخية.

اليوميات والأصول

وحوى السجل يوميات أطلق عليها اسم "روزنامة"، وكذلك بعض القواعد الملاحية، فلهذا سماه المؤلف باسم "رحماني"، أي المرشد الملاحي.

ورحلة العودة خُصص لها فصل تحت عنوان "يوميات بحار"، ثم فصل ثان للقواعد الملاحية والفلكية، وفي الملحق الأول صورة طبق الأصل عن اليوميات بخط جاسم الفيلكاوي، وأيضا بالملحق الثاني صورة طبق الأصل وبخط يده للقواعد الملاحية والفلكية، أما الملحق الثالث فكان حول طاقم السفينة "إمسليني" عام 1948، والملحق الرابع للخرائط الملاحية والموانئ التي ترتادها السفن الشراعية الكويتية.

back to top