عزيزة الطائي: عندما أكتبُ أنسى النقد وأغرق في النص

الأديبة والناقدة العُمانية تعتبر «القصة القصيرة جداً» توأمها

نشر في 01-11-2020
آخر تحديث 01-11-2020 | 00:03
رغم أنها لم تدرك فترة والدها الأديب العُماني والمناضل ضد الاستعمار البريطاني، عبدالله الطائي، فإن الدكتورة عزيزة الطائي، تعد امتداداً أصيلاً لهذا الرجل المبدع والمُلهم، إذ يتنوع عطاؤها بين كتابة الرواية والقصة والشعر إلى جانب ممارسة النقد الأدبي باحتراف.
وفي حوار أجرته معها «الجريدة» قالت إنها حين تكتب إبداعاً تنسى نظريات النقد وتغرق في النص. وأشارت مؤلفة «أصابع مريم» إلى أن هذه الرواية تحمل أصوات النساء المقهورات والمتمردات، لافتة إلى أن الشعرية تغلب على لغتها مهما حاولت التنصل منها... وفيما يلي نص الحوار:
*وفاء وإيمان ونوال وابتسام، كيف ناقشتِ من خلالهن قضية تحرر حواء العربية من الأفكار المجتمعية التقليدية عبر رواية "أصابع مريم"؟

- رواية "أصابع مريم" مكتظة بصوت الأنثى الشرقية عموماً حتى وإن سبرت في فحواها مجتمعنا المحلي أو الخليجي في فترة ليست ببعيدة وحتى الآن. فالخطاب السردي الذي اتكأت عليه الرواية يحمل لقارئها سيلاً متدفقاً من أصوات النساء الصامتات المقهورات، المتحررات المتمردات، لذلك نجد اللغة مشحونة بالألم والوجع، والجرأة والعنف، والسخرية والتهكم؛ وكأن الراواية جاءت للتعبير عن إشكالية العلاقة بين الرجل والمرأة، علاوة على هواجس الأنثى وقلقها عند تماسها مع حياتها اليومية. بدءاً من براءة الطفولة إلى ثورة الشباب وصولاً إلى هواجس تقدم العمر والعطش الدائم للعاطفة عبر حكاية تشكلت من دعامة كبرى وهي شخصية مريم وتشعبت لتشمل بناتها الأربع. والحضور القليل المساحة والكبير التأثير لأم مريم وخالتها هند وعمتها عائشة. ليتحقق مستوى بنية الخطاب، بل تتجسد فكرة فحوة السرد بجهاد المرأة وصراعها بين تحدٍّ وتمرد وفشل ونجاح مع تقاليد المجتمع وأعرافه.

من العنوان، والإهداء، فالافتتاحية الشعرية للرواية، يستشف القارئ أن الحكاية تصب في مجرى هموم الأنثى وتأزمها، وما يرمز له اسم الأم مريم وأصابعها في آن. هذه العقدة الأساسية التي ينتظم معها السرد، حيث تبدأ بمريم الشابة وعنفوانها وتساؤلاتها وتمردها، وتنتهي بمريم المهزومة الشائخة واستسلامها. وما يطرأ عليها بين تلك البداية وتلك النهاية، والمحطات الزمنية التي تنحت الإنسان وتشكل تضاريسه مع خلخلة الذات المخفية لكل شخصية من الشخصيات، واستخراج ما في مخابئها بنحو من المتوّقّع واللامتوقع، حتى عندما كان السرد يستحضر الشخوص الذكورية الواردة في منعطفات السرد كالأب حمد، والرجل الآخر متمثلاً فيمن أحبت البنات كمحمود ووائل وجلال وحسين الذي يمثل مع ابتسام عصباً قوياً آخر في الرواية. وربما هذه المدارات قادتني إلى الكتابة بتقنية السارد العليم.

علاقات مأزومة

*كيف وظفتِ تجارب الحب الفاشلة في توصيل الفكرة العامة للرواية؟

- سيلاحظ القارئ أنه رغم هيمنة القلق الأنثوي على الرواية فإن هناك محطات أخرى يمر من خلالها السرد ويطرح عَبرها علاقات مأزومة حيناً ومبهجة حيناً آخر بين الذكر والأنثى، إلا أنه عندما تصطدم بما يدور في المجتمع تتشظى وتنحصر لإبراز قضايا كبرى يعيشها المجتمع لا فكاك منها، فمثلاً يجد القارئ قضية المذهبية من خلال علاقة حسين بابتسام، والطائفية من خلال علاقة جلال بوفاء، والطبقية وفارق العمر في علاقة محمود بإيمان، والانبهار بالأب والحنين إليه كعلاقة وائل بنوال؛ فضلاً عن علاقات أخرى تخوض تجاربها المرأة مع الرجل في قلب مجتمع متناقض متخبط من خلال الحوارات التي تشف عن نظرة المجتمع تجاه المختلف والآخر، النظرة الحقيقة غير الملمعة والمقدمة بصورة مزيفة عند التعايش قائمة على المجاملة والمداراة.

فهنالك الأم المسالمة والبنت المتمردة والأخت العاشقة والزوجة النافرة، والحب المحروم، والزواج الفاشل، والحنين إلى الحبيب الذي يكشف حقيقية الواقع، ويجسد المأزق الإنساني، وتفاعله مع كلمةٍ من شأنها أن تقلب مزاجه وتغيّر ملمح يومه. فنجد أن الشخصيات تكابر وتخطئ وتغفر وتتألم وتعيش هواجس وآلام وتضيىع فرصاً، كـ"حمد" الأب الذي يتقلب بين الأنس والبهجة ومدارات بناته الأربع ثم ينقلب مزاجه بسبب المرض والأعباء المادية وكلمة من ثغر زوجته، حتى جاءت الخاتمة مع سير الأحداث بشكل غير متوقع لتحقيق مفهوم الصدمة لدى المتلقي إزاء ردود فعل الشخصيات.

القصة القصيرة

*تكتبين الرواية والقصة القصيرة جداً، نفسٌ طويلٌ وآخر قصير جداً.. كيف تمتلكين هاتين القدرتين في الوقت ذاته؟

- سئلت مراراً هذا السؤال، وعندما ألتفت لجادة صواب الإجابة أجدني رفيقة للقصة القصيرة جداً، وهي توأم لي لأنني أكتبها من التقاطاتي اليومية السريعة لموقف عابر أو حدث خاطف يذهلني ويصدمني ويدهشني سواء أحداث أبهجتني أو خذلتني، القصة القصيرة جداً هي الجانب الإنساني الذي أحمله وأعبّر من خلاله عن آرائي ومعتقداتي وتوجهي الاجتماعي والسياسي والإنساني. بينما الرواية هي مخزون مجتمعي أحتفظ به لأيام وشهور وسنوات أعيشه وأتعايش معه، وأرى بعدستي كيف يظهر ويبرق ويتجلى من خلال المِراس في الواقع المعيش مع الورقة والقلم، لذة الكتابة وشغفها بسكونها وخلودها. لذلك الملكة تتشكل بحسب المعطيات للكاتب والحدث الذي يسأل نفسه: كيف سأعبر عنه؛ فيأتي مطواعاً بالقصر الشديد أو المتوسط أو الطويل.

طبيعة شفافة

*يتنوع إبداعك بين الرواية والقصة والشعر... على أي أساس تختارين القالب الأدبي الذي تسكبين في نصك؟

-أنا لا أختار القوالب فالقوالب بموضوعاتها هي التي تختارني بفكري وقلمي شعراً أو سرداً (طويلاً ومكثفاً)، فالشعر ممزوج في دمي كوني كائن يحمل طبيعة شفافة، وحساسية مفرطة. لذلك تغلب الشعرية على لغتي مهما حاولت التنصل منها في ما أكتبه دوما سرداً أو شعراً. فبدايتي كانت مع الشعر عندما كنت طفلة أترنم بكلماتي وتأصل ذلك مع البيانو الذي تعلمت العزف عليه وأنا طالبة في المدرسة.

*كونك حاصلة على الدكتوراه في النقد الأدبي الحديث، متى تنظرين لنصوصكِ الإبداعية بعين الناقد، وكيف تكون النتيجة؟

-عندما أكتب أنسى القضايا النقدية ونظرياتها التي درستها، وأغرق في النص مع عزلتي المعتمة وخلوتي الصافية التي تستهويني دائما فهي مرآتي الذاتي الذي أكتبه بكل طاقتي وهذياني وجنوني الكتاب. وأنظر إليه بعين الناقد بعد تحرري منه؛ أي بعد طباعته. فمثلاً في القصة القصيرة جداً في كتاب "ظلال العزلة" وجدتُ في بعض نصوصه شاعرية مفرطة وتمنيت لو وضعتها في ديوان كونها رغم ما تحمله من حكاية فإنها أقرب لقصيدة النثر.

*ابنة عبدالله الطائي، الأديب والمناضل ضد الاستعمار البريطاني، ما الذي لا تزال الابنة تحتفظ به من نصائح الوالد؟

-لم أعي على والدي للأسف حتى أتذوق نصائحه، فما أحتفظ به عن أمي هي حكايات عَبِقة أحملها بستاناً في نفسي، ويعطر أريجها ذاكرتي في كل محطة أستقر فيها. تعرفت إليه من الصور والأحاديث، وصوته الإذاعي الشجي، وقراءاتي لأعماله، وسيرته التي تغمرني عندما يتحدث عنه كل من لازموه، أو تتلمذوا على يديه؛ وبالأخص عندما حررت أعماله الكاملة مع أخي مازن (رحمهما الله)، وأعمل الآن على تحرير وثائقه الخاصة، التي قد نخرجها (أبناؤه) جميعاً، ونعمل على تنقيحها لإخراج ما يصلح منها، ويفيد القارئ في قادم الأيام حول مرحلة تاريخية مهمة. تعرفت من خلالها إلى جيل لا أقول عمانياً فقط بل عربي بأكمله. وأيقنت تلك المرحلة العصيبة الخصبة التي عاشها العماني، والعربي على السواء.

*ما الذي تكتبينه حالياً؟

-أعمل الآن على مراجعة كتابين أنهيتهما؛ لعلهما يجدان النور قريباً، الأول دراسة نقدية في قصيدة النثر العُمانية، والثاني ديوان لنصوص شعرية.

«أصابع مريم» تحمل أصوات النساء المقهورات والمتمردات

الشعرية تغلُب على لغتي مهما حاولتُ التنصل منها
back to top