«لا أحد يُذكر»!

نشر في 30-10-2020
آخر تحديث 30-10-2020 | 00:07
 سارة المكيمي ما القاسم المشترك بين خالد سعيد وجورج فلويد؟ لو قلنا جزافا إن الاثنين ماتا تحت وطأة التعذيب بيد السلطة الحامية في الدولة، وإنهما كانا القشة التي قصمت ظهر البعير المثقل مسبقا بالأحمال، كما أنهما– رحمهما الله– الشرارة الأولى التي أشعلت بعدها غضبة منقطعة النظير، وأحداثا متواترة أطاحت بالرئاسة المصرية والنظام الحاكم في مصر بعد ثورة شعبية هائلة شلّت أركان البلاد ووضعت النقاط على الحروف.

هي ذاتها غضبة الأميركيين التي مازالت مشتعلة، مظاهرات لا تهدأ وصرخات لا تنام، تنافر وتلاحم، حرق وتهديد وتخريب وسرقات في خضم وباء يفتك بالعالم، وبلاد كبيرة مترامية الأطراف تخوض انتخابات رئاسية في جو مشحون ومتخم بالأحداث والمهاترات.

القاسم المشترك الثالث بين خالد وجورج، وهو المثير حقا بالنسبة لي هو أنهما «لا أحد يُذكر»، خالد كان شابا عاديا جدا، لا يتبع طائفة ولا حزبا، وليس له أنشطة سياسية، لم يكن شخصية اجتماعية مشهورة بالسوشيال ميديا، لا صوت ولا صورة! تماما مثل جورج الرجل المغمور اللامشهور الذي لم يكن له وجود إعلامي، لا حراك ولا نشاط ولا بصمة! هما في الواقع فردان لم يميزهما عن غيرهما شيء وهذا هو مربط الفرس.

يتحرك الناس وتثور ثائرتهم القابعة في دهاليز الخوف عندما يدنو ظلم واضح وتنكيل فاضح الى من يشبههم، البشر العاديين، المغمورين اللامشهورين اللا أحد يُذكر، من في الواقع لا صوت له ولن يستطيع توصيل نداء أو مناشدة أو رسالة لمن هم في قمة الهرم حتى لو تقطعت حباله الصوتية وتكسرت أصابعه من الكتابه؟ أمثال العامة، الشعب، الأكثرية الذين سيستيقظون يوما من النوم ليجدوا شخصاً يمشي في الشارع مثلهم، ويذهب لعمله يوميا، يأكل من مطاعمهم نفسها، ويحاول جاهداً أن يحل مشاكله التي هي ذاتها مشاكلهم، يُرمى جثة هامدة على قارعة الطريق بعد نوبة من الضرب والتعذيب، أو يُداس بالركبة حد الاختناق! عندما يُصفع الإنسان البسيط بأمنه وأمانه، ويرى بعين خياله صورة جثته المسجاة على الأرض مجسدة بانعكاس مرآة الحقيقة، سيستيقظ من سباته العميق ويقترب كقطع المغناطيس الصغيرة لغيره المشابه له ليصبح تلك الآلة الضخمة الهائلة المكونة من جزيئات تفكر بعقل الجماعة، تغضب بقلب الجماعة وتبطش بيد الجماعة.

في الغضبات الجماهيرية العارمة تلك لا مجال للنقاش والمفاوضة، يصبح الآلاف كياناً واحداً، آلة ضخمة لا أحد يستطيع صدها أو مجابهتها، بل كلما اشتدت حدّة وضراوة وسائل القمع المضادة للثوّار تأكد يقين هذا الكيان الموحّد الهائل أن الضد عدو، وألا خلاص ولا فكاك إلا بالنصر أو الموت.

الثورات الشعبية أينما كانت وأيمّا كانت على مر التاريخ متشابهة إلى حد التطابق، تنفجر بعد عهد طويل من التنكيل والإذلال، واللعب على حبال الفقر والتهديد بلقمة العيش، والمس بالأمن والأمان. تلك الفترات المتواترة من الشد والجذب، اللعب السافر بالمزاج العام وراحة البال والاستقرار النفسي والسلام الداخلي للسواد الأعظم من الشعب، سيولد ضغوطاً داخلية هائلة في هيكل تلك الآلة الفتاكة بأجزائها المتناثرة، ستنتظر دون أن تعلم شرارة الاشتعال لتتوحد وتثور.

back to top