إعادة البناء في ظل ظروف أكثر عدالة واخضراراً

نشر في 26-10-2020
آخر تحديث 26-10-2020 | 00:00
 بروجيكت سنديكيت مثل المزارعين الذين يخططون لمحصول الموسم التالي، يتعين علينا الآن أن ننثر بذور مستقبل ما بعد الجائحة الذي نريده، وهذا يعني وضع المساواة بين الجنسين، والاستدامة في صميم التعافي وتعزيز التنمية الأكثر شمولا من خلال "التجارة النافعة".

لا يتمثل التحدي الأشد خطورة الذي يواجهنا في التفاوت الاقتصادي بين البلدان وداخلها، فقد كشفت جائحة مرض فيروس كورونا 2019، بشكل خاص، عن عمق أوجه عدم المساواة بين الجنسين، حيث تعاني النساء أشد المعاناة نتيجة للتداعيات الاقتصادية المترتبة على الجائحة، وتُـظـهِـر أبحاث مركز التجارة الدولي أن ما يقرب من 65% من الشركات الصغيرة التي يقودها نساء في 120 دولة تأثرت بشدة بفعل الأزمة، وكانت القطاعات التي توظف النساء في الأغلب- بما في ذلك شركات التجزئة، والضيافة، والسياحة، والصناعات الـحِـرَفية، والصناعات الخفيفة- هي الأشد تضررا.

علاوة على ذلك، تسبب التحول الرقمي المتسارع وتكوينات سلاسل التوريد المتحولة في اضطرار رائدات الأعمال في كل مكان ولكن بشكل خاص في البلدان النامية، إلى مواجهة عقبات إضافية، تتراوح من القدرة على الوصول إلى المعلومات والموارد إلى بناء المهارات والشبكات.

في تعليق حديث نشرته صحيفة فاينانشال تايمز، دعت ليندا سكوت من كلية سعيد لإدارة الأعمال في جامعة أكسفورد إلى إنهاء "الاحتكار الذكوري" في التجارة الدولية، وحسب زعمها، إذا أصبحت المرأة عاملا مهما في التعافي الاقتصادي، فإن هذا من شأنه أن يفضي إلى "سلسلة من الفوائد، فضلا عن تقليص المعاناة بشكل كبير". إن النجاح في التصدي لهذا التحدي من شأنه أن يعيد وضع رائدات الأعمال في سلاسل القيمة العالمية الجديدة، مما يساعدهن في تلبية معايير المنتجات الحديثة والاستفادة من فرص التجارة الإلكترونية المتكاثرة.

يجب أن يكون التعافي بعد الجائحة مستداما أيضا، وأن تكون شركات الأعمال مستجيبة، ففي الشهر الفائت رحبت أكثر من 20 شركة رائدة، من أديداس إلى يونيليفر بمبادرة الاتحاد الأوروبي لتقديم معايير جديدة ملزمة لتعزيز الاستدامة، في حين وَقَّـع أكثر من 1000 من الرؤساء التنفيذيين بيانا للأمم المتحدة يدعو إلى تجديد التعاون العالمي.

كما يربط صناع السياسات بين التعافي بعد كوفيد19 والعمل المناخي على نحو متزايد، كما توضح عمليات الإنقاذ المشروطة من الحكومة الفرنسية لشركات مثل اير فرانس ورينو، وفي إطار الجمعية العامة للأمم المتحدة الأخيرة، أعلنت الصين اعتزامها أن تصبح محايدة كربونيا قبل عام 2060، ودَعَت جميع البلدان إلى "تحقيق التعافي الأخضر للاقتصاد العالمي في مرحلة ما بعد كوفيد19".

ويضع قادة أوروبا، وأميركا اللاتينية، ومنطقة الكاريبي، ومنطقة المحيط الهادئ، تخفيف آثار تغير المناخ والتنمية الشاملة في صميم خطط التعافي بعد الجائحة، وقد تعهد بعض القادة، مثل رئيسة وزراء نيوزيلندا، جاسيندا أردرين، بربط استجاباتهم لجائحة كوفيد19 بالعمل المناخي، وفي مختلف أنحاء العالم، تكتسب نسخ من الصفقات الجديدة الخضراء ثِـقَـلا متزايدا.

في سبتمبر وضعت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين خططا لخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري في الاتحاد الأوروبي بنحو 55% بحلول عام 2030، وفي وقت سابق تبنت فرنسا خطة للتعافي بقيمة 100 مليار يورو، بما في ذلك 30 مليار يورو لدعم "الانتقال الأخضر".

الواقع أن المزاج بدأ يتغير، حيث يبحث العالم عن طرق للتحول إلى التجارة النافعة، الأكثر نظافة، وعدلا، ومرونة في مواجهة الصدمات، لكن المخططات الجديدة يجب أن تحرص على عدم تجاهل ضرورة دعم المؤسسات المتناهية الصِـغَـر والصغيرة والمتوسطة الحجم التي تساهم في سلاسل القيمة العالمة وتقود الاقتصادات المحلية.

على سبيل المثال، من شأن آلية تعديل الحد الكربوني التي سلطت عليها فون دير لاين الضوء في خطاب حالة الاتحاد أن تثير المخاوف في البلدان النامية، وترى مجموعة بوسطن الاستشارية أن مثل هذا النظام قد يعني "اضطرار الشركات غير الأوروبية، التي كانت خاضعة لضغوط تنظيمية قليلة لرسم، وتقرير، والتحكم في انبعاثاتها الغازية، إلى بناء هذه القدرات بسرعة والسعي إلى اللحاق بالركب من أجل الحفاظ على قدرتها التنافسية في أوروبا".

نتيجة لهذا، ربما تتمكن شركة تصنيع ورق أوروبية قادرة على التعامل مع آلية تعديل الحد الكربوني من اكتساب ميزة تنافسية على أي شركة آسيوية أو إفريقية تعمل في القطاع ذاته الذي يصدر حاليا إلى أوروبا، ويحتاج المجتمع الدولي إلى تطوير فهم أوسع لكيفية بناء عالم أنظف وأكثر مساواة، والعمل مع الشركاء من القطاعين العام والخاص نحو تحقيق أهداف مشتركة.

في ما يتعلق بسلاسل القيمة، تعمل الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم على دفع الصناعات في مواجهة تحديات الامتثال الاجتماعي والبيئي والحد من "إجهاد التدقيق"، كما يمكن دعم مبادرات مثل برنامج التقارب الاجتماعي والعمالي، والتي تخدم قطاعي الملابس والأحذية، بالاستعانة بتمويل متواضع، واستضافتها من منظمات محايدة غير ربحية، كما يمكنها تقديم تقييمات اجتماعية فعّالة وقابلة للتطوير ومستدامة عبر الصناعات وعلى طول سلاسل القيمة، وتسليم بيانات جديرة بالثقة وقابلة للمقارنة. يحرر هذا النموذج الموارد للشركات فيساعدها في تحسين ظروف العمل والعمليات، ومن الممكن أن يقدم خدماته على نطاق واسع لأنظمة الامتثال في فترة ما بعد كوفيد19 في البلدان النامية.

أما عن المساواة بين الجنسين، فيقدم عدد متزايد من الشركات الدعم لريادة الأعمال النسائية من خلال برامج تنويع سلاسل التوريد، والتوجيه، وخطط بناء القدرات، والخدمات المستهدفة. وقد توسعت هذه المبادرات من خلال الاستفادة من خبرات المنظمات الدولية وشبكاتها والمؤسسات المحلية، واستغلال الموارد التي تفتقر إليها الحكومات عادة، ويكمن نشرها بطرق مرنة وقائمة على السوق.

أصبح من الصعب على نحو متزايد تجاهل أوجه التفاوت العديدة التي كشفت عنها جائحة كوفيد19، ونحن الآن لدينا فرصة ذهبية لإعادة البناء بجرأة ووضع المساواة بين الجنسين، والمسؤولية الاجتماعية، وحماية البيئية، في صميم خططنا، ومع التركيز المتعمد والاستراتيجي على هذه القضايا، من الممكن أن يصبح المستقبل الذي نزرعه أكثر وفرة وازدهارا من الماضي.

*باميلا كوك هاملتون

* المديرة التنفيذية لمركز التجارة الدولي في جنيف، (وهو هيئة مشتركة بين الأمم المتحدة ومنظمة التجارة العالمية).

العالم يبحث عن طرق للتحول إلى التجارة النافعة الأكثر نظافة وعدلاً ومرونة في مواجهة الصدمات
back to top