الطريق طويل وشاق

نشر في 20-10-2020
آخر تحديث 20-10-2020 | 00:18
 حسن العيسى "لقد سئمنا فساد وجشع الكثيرين من قياديي الدول الآسيوية... عندي إيمان عميق برسالة نؤسس عبرها حكومة نزيهة وفاعلة، ولقد أقسمنا بذلك عند تسلُّمنا الحكم عام 1959... كلنا نلبس قمصاناً وسراويل بيضاء ترمز للنقاء والطهر في مسلكنا الخاص والعام". كان هذا جزءاً من كلمة "لي كوان هو" رئيس وزراء سنغافورة، بعد تسلّمه الحكم، وفي عام 1960 وجه وزير الداخلية كلمة يشرح فيها المبررات لتشريع محاربة الفساد، كان ذلك القانون قاسياً، لم يراعَ فيه الكثير من المعايير العامة في دول القانون العام، مثلما كان الحال في المملكة المتحدة، وهي الدولة التي كانت تحتل وتدير الدولة المدينة "سنغافورة" وعجزت تشريعاتها عن وضع نهاية للفساد فيها قبل الاستقلال.

كانت قضية الرشوة في الأجهزة الحكومية هي الشغل الشاغل للإدارة السياسية ذلك الوقت، حسب خطاب وزير الداخلية.

في تلك الأيام كانت أجهزة مكافحة الفساد ذاتها بسنغافورة فاسدة، ولكن ذلك لم يمنع الإرادة السياسية الصلبة عند "هو" من بتر رؤوس الفساد المهيمنة بالدولة، ومثال ذلك أنه في 14 ديسمبر 1986 قام "تيه شان وان" وزير التنمية حينها بإنهاء حياته، بعد أن حققت معه الأجهزة الأمنية، مدة ست عشرة ساعة متواصلة.

ماذا، لا قدر الله، لو أن كل مسؤول فاسد قرر الانتحار في مثل واقعنا بعد التحقيق معه؟ كم مسؤولاً سيظل حياً في دولة "إن حبتك عيني ما ضامك الدهر"... هذا افتراض غير متصور، فشتان بين تحقيق واستجواب منهك استمر ساعات طويلة في سنغافورة، وتحقيق آخر في دولة "يا دهينة لا تنكتين"، يتم خلاله تلقين المشتبه به الكلام حتى تسقط بالتالي أسباب الإدانة... وتنتهي الحكاية بختمة "... شعليكم، لقيتها بكبت أمي".

الطريق طويل وشاق، وأي كلام ووعود عن إنهاء واقع الفساد يبقى مجرد آمال يصعب تحقيقها في دولة قامت أسس اقتصادها على الريع والعطايا وشراء الولاءات... مسألة ليست سهلة، الفساد متغلغل في عظام الدولة، هو فساد منهجي كبير، وظروف التحدي الاقتصادي الحالية تتطلب تضحيات كبيرة من الإدارة السياسية ومن الناس. ويستحيل الشروع في مكافحة الفساد والإصلاح الاقتصادي وما يتطلبه من تضحيات ضخمة بينما تظل رموز إدارات سياسية سابقة موجودة في مكانها، راسخة كالجبال... لننتظر.

back to top