السياسة والجوع

نشر في 20-10-2020
آخر تحديث 20-10-2020 | 00:20
 أ.د. غانم النجار يحكى أن أحد نواخذة سفن الغوص، كان يقصر على بحارته بالأكل والزاد، خشية نفادهما في ظروف غير معلومة، طوال رحلة الغوص لعدة شهور في ضنك وقهر البحر ومهنة تعدّ من أكثر المهن شدة وقسوة على الإنسان، إلا أنه ما إن يقترب موسم الغوص من نهايته، وفي طريق العودة، حتى يظهر النوخذة كرمه ويبدأ في الإغداق على البحارة بالطعام، رافعاً شعار "اكلوا واشبعوا، بس لا تقولون النوخذة قصّر معانا ولا تقولون النوخذة جوعنا".

ذهبت تلك المقولة مثلاً بين الناس.

ها نحن مع مجلسنا وحكومتنا وبعد انقضاء سنوات بلا حاصل ولا خلاصة، يخرجان علينا في الوقت الضائع، في بلد اعتاد إضاعة الوقت، ليعلنا كل على حدة، عن نيتهما تعديل قانون الانتخاب (المجلس)، وإنشاء الهيئة المستقلة للانتخابات (الحكومة). أما أين كانا طوال هذه المدة، فذلك حديث له شجون.

الاستعجال في إصدار القوانين حالة مرضية ضمن أمراض أخرى في النظام السياسي، تحتاج إلى علاج جذري. الأمثلة على ذلك كثيرة، ولنأخذ بعضها مثلاً، إعدام المسيء بمجلس فبراير2012 (من سخريات الزمن كان لدينا مجلسان في2012)، الذي حظي بشبه إجماع وحماس منقطع النظير من المعارضة، الأغلبية، ودعم كامل من الحكومة، وصدر بسرعة غير عادية، لولا أن الله قيض صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد، يرحمه الله، ليرد القانون فيصبح نسياً منسياً. أما المثال الثاني فكان قانون البصمة الوراثية الذي تم سلقه سلقاً بسرعة، وتدخّل صاحب السمو بعد تدارك الأمر ليعلن الديوان الأميري طلبه للمجلس بتعديل القانون حتى ألغته نهائياً المحكمة الدستورية، وصار نسياً منسياً هو الآخر، ولدينا أمثلة أخرى كثيرة، وهذا غيض من فيض.

الغريب في الأمر أن الحكومة كانت قد أبدت حماساً في عام2012 عندما أصدرت قانون الهيئة المستقلة للانتخابات كقانون ضرورة، فألغته المحكمة الدستورية. منذ 8 سنوات لم تحرّك الحكومة ساكناً لإصدار تلك الهيئة، فجاءت في اللحظة الأخيرة لتعلن نيتها لذلك.

تتصرف الحكومة والمجلس بأنهما بعد فوات الأوان يعلنان للناس أننا لم نقصر في الإصلاح الذي تطالبون به.

تعديل قانون الانتخاب وتأسيس هيئة مستقلة للانتخابات مطلبان أساسيان لاستكمال جزء فقط من المنظومة الانتخابية، وقد طالب بهما كثيرون منذ زمن طويل دون جدوى، بل تجاهل مزعج، حتى أحيلت العملية السياسية إلى ركام وإلى سراب بقيعة يحسبه الظمآن ماءً.

قد يقول قائل أن تأتي متأخراً خير من ألا تأتي أبداً، وربما يكون ذلك صحيحاً، شريطة أن تكون هذه السلوكيات جادة وملتزمة، وهما أمران لم ولن نستشعرهما لا من حكومتنا ولا من مجلسنا، وكأننا معهما في حالة جوع دائم، حتى لو بدا الأمر خلافاً لذلك.

back to top