قد يزهر قلبك *

نشر في 19-10-2020
آخر تحديث 19-10-2020 | 00:08
 خولة مطر لا شيء يبقى بعد أن ينطفئ القلب، فلا توصدوا أبواب قلوبكم بل اشرعوها ربما تمر عصفورة أو تحلق بذرة فتزهر، وما هي إلا لحظات ليتحول القلب إلى حديقة من الورد، لا تحمل الهواتف والاتصالات إلا كثيراً مما طفحت به نشرات الأخبار ومزيدا منه، وكأننا لم نتشبع من كثرة القادم من الحزن المخزن منذ سنين، المختبئ في تلك الزاوية والمتربص للأيام والساعات... أيامنا نحن وساعاتنا كلنا بلا استثناء.

كيف تهرب من النشرات الشخصية لا العامة، في الثانية، أي العامة، تستطيع أن تحول عن المحطة وأمامك مئات غيرها أو حتى تغلق الجهاز وتمضي فيتحول إلى شاشة صماء، أما في الأولى فأمامك وخلفك الجدران والأبواب الموصدة أو هكذا تبدو، حينها في تلك اللحظة الفارقة تبحث عن السماء البعيدة أو عمق البحر أو فراشة ربما تكون قد أخطأت مكانها، فلا زهر في هذه المدينة الحزينة لتتنقل الفراشة بينه.

ما لك إلا أن تطفو فوق الغيمة السوداء لتنظر خلفها وتحتها وفوقها، فهناك كثير من النور المختبئ، ربما كما كل الأمور الجميلة التي لها مزاج للنضوج والازدهار، تبعد الطرف عن السواد الذي كسا الأفق وتغرف الضحكة من رحم الكارثة، نعم أليس بالضحك تزهو الروح، وتجري لألبوماتك القديمة ترص الصور واحدة خلف الأخرى، هنا كانت ليلة في حضن المحبة، وهناك جلسة أساسها حوار حول رواية أو كتاب، وهناك جَمعة حول مائدة غنية بالطعام ومسارح ومعارض كتب وحفلات موسيقية وكثير من الوجوه، كثير منها بعضها راح يتساقط من الحياة لا من الصور، وحتماً ليس من الذاكرة والقلوب... كانت هي تتقن فن قص الوجوه من الصور بعضها فقط لأنها لم تعجبها وأخرى لأنها تحاول أن تعمل فوتوشوب قبل اكتشاف هذه الوسيلة الأكثر كذبا من الكلمة المنافقة، هي الآن تتحسر وتحاول أن تجد قصاصات لتلزقها معا فتعيد الجَمعة في وقت كورونا، حيث لا مساحة لأكثر منك وحدك!!

هل هناك ما يسمى زحمة صور؟ ربما لا، فكثرة الصور تفتح آفاقاً ومساحات للسرد والتذكر والبهجة أحيانا والضحكة وربما بعض الدمع فرحا أو شوقا... حتى تلك الصورة الصامتة لما هو في الشكل جماد بينما هو في الواقع قد حوله إلى حياة بماض وحاضر وجمال خاص رغم صمته.

يردد هو نحن من يميت الحي ويحيي الميت من الأشياء والبشر أيضا فهناك أحياء أموات وهناك أموات بحيوات أكثر حضوراً... عندما تنبش صورة من تحت كم من التراب في علبة بآخر درج في الزاوية المظلمة من منزلك، ترفع الغبار وفجأة تشع الصورة بنبض حياة نادر الآن، تحكي وتحكي وتبقى أنت وهي، أي الصورة، تتحدثان بصمت وتذكران بعضكما بكثير من جمال وفرح كان، فتعود لك وللصورة حيوية، وتبدأ للصورة حياة جديدة، ربما منحتها لها أنت أي المشاهد بكل الذكريات المركونة أو ربما لأنها عادت لتزهر في قلبك زهرة وزهرة، أو هي الصورة أرسلت بعض بصيص لقلبك فعاد هو ليثمر!

ونفض الغبار ليس عن الصور فقط، بل تعمل على نفضه عن كل الذكريات الحلوة التي كانت... تكرر التفاصيل مع من كان هناك أيضا حتى لا تسقط منك نصف ثانية، تبحث معهم كيف كان المزاج العام، وترسمون معا صورة لسكينة تحلمون بها الآن وهنا. كنا هناك تقول، فيرد هو لا وبقينا هناك أو أن اللقاء الذي كان وتلك الجَمعة لم تفارقنا حتى نصورها كماض كان كما كل الذي عشناه.. هناك لحظات تمر سريعا وأخرى يعيشها المرء بكاملها فتبقى تسكنه، وتلك التي تسرح بخيالك معها وتجددها حتى لا تنسى أنت أو ترحل هي من قلبك.

* ينشر بالتزامن مع "الشروق" المصرية

back to top