هل تجاهل صندوق النقد تسارع زيادة الديون مؤقتاً؟

نشر في 07-10-2020
آخر تحديث 07-10-2020 | 00:04
No Image Caption
تظهر تقديرات الصندوق الدولي الأخيرة والصادرة في يونيو الماضي، أن الناتج المحلي الإجمالي العالمي قد ينكمش بنسبة 4.9% هذا العام، لكن وتيرة التراجع من المرجح أن تتجاوز هذه النسبة بالنظر إلى مواجهة العديد من الدول موجة ثانية من إصابات الوباء.
"خفض الديون أم تعافي الاقتصاد"... أيهما أكثر أهمية في هذه الفترة الحرجة؟ ومن يمكنه انتشال العالم من أزمة الوباء؟ وهل دعوة صندوق النقد لبعض الدول حول العالم بزيادة الاستثمارات العامة تعني تجاهل التحذيرات السابقة بشأن مخاطر الائتمان وإن كان بشكل مؤقت؟

تظهر هذه التساؤلات بعد مطالبة صندوق النقد الدولي للحكومات بزيادة الاستثمارات العامة من أجل دعم وتيرة تعافي اقتصاد العالم والمساهمة في خلق ملايين الوظائف بعد الصدمة الهائلة التي خلفها وباء "كوفيد-19"، وهو ما يأتي عقب أيام قليلة من تحذيراته بشأن مستويات الديون الآخذة في الارتفاع.

وفي الواقع، تضرر الاقتصاد العالمي بشدة من الأزمة الصحية الحالية، مما أدى إلى توقف شبه تام لنشاط الخدمات مع فقدان آلاف الأشخاص لوظائفهم، وسط قفزة لمستويات الديون تثقل كاهل بعض الحكومات.

وتشير تقديرات الصندوق الدولي الأخيرة والصادرة في يونيو الماضي، إلى أن الناتج المحلي الإجمالي العالمي قد ينكمش بنسبة 4.9 في المئة خلال هذا العام، لكن وتيرة التراجع يرجح أن تتجاوز هذه النسبة بالنظر إلى مواجهة العديد من الدول موجة ثانية من إصابات الوباء.

فوائد وأرقام

ووفقاً لحسابات صندوق النقد عبر تحديث لتقرير الراصد المالي، فإن زيادة الاستثمارات العامة في الاقتصادات المتقدمة والناشئة خلال فترة عدم اليقين المرتفعة قد تكون ذات تأثير واضح على تعافي النشاط الاقتصادي من الانهيار العالمي الأكثر حدة والأكثر عمقاً في العصر الحديث.

وفي لغة الأرقام، فإن زيادة الاستثمارات العامة بنحو 1 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي يعني تعزيز الاستثمارات الخاصة بنحو 10 في، المئة إضافة إلى زيادة معدل التوظيف بنحو 1.2 في المئة (من خلال خلق ملايين الوظائف بشكل مباشر على المدى القصير وملايين أخرى بشكل غير مباشر على المدى الطويل).

ويقول الصندوق الدولي: "عندما تزيد الحكومات من استثماراتها العامة، فإنها تشير إلى التزامها بتحقيق النمو والاستقرار الاقتصادي، وهو ما يساهم بالتبعية في تعزيز الاستثمارات الخاصة كذلك".

كما ستعني هذه الزيادة في الاستثمارات العامة البالغة 1 في المئة تعزيز الثقة في التعافي الاقتصادي وزيادة الناتج المحلي الإجمالي بنحو 2.7 في المئة، وفقاً للتقرير.

لكن الصندوق الدولي حدد شرطين حتى تتحقق المعادلة سالفة الذكر كما ينبغي، وهي أن تكون هذه الاستثمارات العامة ذات جودة عالية، وحال لم تكن أعباء الديون العامة والخاصة الحالية تضعف استجابة القطاع الخاص للتحفيز.

تكثيف الاستثمارات

إذن ما السبب وراء الحاجة لتكثيف الاستثمارات العامة؟ هناك بعض الأسباب في واقع الأمر، إذ إن الاستثمارات العالمية كانت ضعيفة لأكثر من عقد من الزمن، لكنها تعتبر مسألة ملحّة الآن داخل القطاعات الحيوية ذات الصلة بالسيطرة على الوباء مثل الرعاية الصحية والبنية التحتية الرقمية.

وهناك مسألة أخرى تتمثل في أن معدلات الفائدة المنخفضة عالمياً تُعد بمنزلة مؤشر على أن الوقت حان للقيام باستثمارات عامة جيدة في المشروعات ذات الأولوية.

وتنبع فكرة الدور الحيوي للاستثمار العام في تعافي الاقتصاد من قدرته على خلق ما يتراوح بين 2 إلى 8 وظائف بشكل مباشر مقابل كل مليون دولار يتم إنفاقها على البنية التحتية التقليدية، إضافة إلى توليد ما بين 5 و14 وظيفة نتيجة استثمار مليون دولار في البحوث والتطوير والكهرباء النظيفة.

مخاوف ومخاطر

يمثل التقرير تحولاً بعيداً عن المخاوف التقليدية للصندوق بشأن أوضاع المالية العامة في الدول الغنية، على الرغم من التشديد كذلك على أنه "يجب على صانعي السياسات التأكد من أن حجم وجودة الاستثمار العام لا يُشكلان مخاطر من خلال تفاقم ديناميكيات الديون بشكل مفرط".

وبالفعل، بدأت العديد من الدول زيادة الإنفاق استجابة للضرر الاقتصادي الذي سببه الوباء، فعلى سبيل المثال، فإن صندوق التعافي التابع للاتحاد الأوروبي والبالغ قيمته 750 مليار يورو تم تصميمه خصوصاً لتحقيق التعافي في الاقتصادات المتضررة بالقارة الأوروبية.

وبالنسبة للدول التي لديها إمكانية الوصول السهل للتمويل، سيكون الاقتراض لتمويل الاستثمارات العامة عالية الجودة بمنزلة استراتيجية فعالة، نظراً إلى أن معدلات الفائدة المنخفضة على الصعيد العالمي تجعل المشاريع الاستثمارية مفيدة، كما تقول المؤسسة التي تقودها "كريستالينا جورجيفا".

لكن الدول التي تكافح من أجل الاقتراض يجب أن تخطط لزيادة تدريجية في الاستثمارات العامة وربما تكون بحاجة لإعادة تخصيص الإنفاق الحالي أو إيجاد مصادر جديدة للإيرادات.

وحذر صندوق النقد من أن الاقتصادات الناشئة والدول ذات الدخل المنخفض، والتي ليس لديها وصول غير محدود للتمويل، ستحتاج إلى أن تكون أكثر حرصاً عند استخدام الاستثمار العام كوسيلة لمساعدتها على التعافي من الانكماش.

أما الدول الأكثر فقراً، فستكون بحاجة للحصول على منح من خلال دعم المجتمع الدولي، مع حقيقة أن الاستثمار في التكيف مع قضية تغير المناخ أمر حيوي.

ومع ذلك، تشير تقديرات خبراء صندوق النقد إلى أن المساعدات الرسمية البالغ قيمتها 10 مليارات دولار، التي تم تخصيصها عام 2018 تقل عن الاستثمارات المطلوبة سنوياً في الاقتصادات ذات الدخل المنخفض بقيمة 25 مليار دولار.

وفي حين أن العديد من الاقتصادات المتقدمة لا تزال لديها القدرة على الاقتراض، فإن الأسواق الناشئة والدول ذات الدخل المنخفض تواجه قيوداً أكثر صرامة على قدرتها على تحمل ديون إضافية، وفقاً لتحذيرات سابقة من صندوق النقد.

وتوقع الصندوق أن يدفع وباء "كوفيد-19" الديون لمستويات مرتفعة جديدة، فمن المحتمل أن ترتفع معدلات الديون خلال العام القادم في المتوسط بنحو 20 في المئة نسبة للناتج المحلي الإجمالي في الدول المتقدمة وبنحو 10 في المئة في الاقتصادات الناشئة وبنحو 7 في المئة في الدول ذات الدخل المنخفض.

والواقع أن حوالي نصف الدول منخفضة الدخل والعديد من اقتصادات الأسواق الناشئة كانت بالفعل في خطر حدوث أزمة ديون أو عرضة لخطر كبير، كما أن مزيداً من الارتفاع في الديون بات أمراً مقلقاً.

ويعتقد الصندوق أنه: "بمجرد البدء في التعافي من الوباء يمكن أن تعاني العديد من الدول من موجة ثانية من التعثر الاقتصادي نتيجة لحالات التخلف عن سداد الديون وهروب رؤوس الأموال والتقشف المالي".

وبحسب أبحاث صندوق النقد، فمن شأن انتظار عملية إعادة هيكلة للديون بعد حدوث التعثر عن سداد الديون أن يرتبط بانخفاضات أكبر في الناتج المحلي الإجمالي والاستثمار وائتمان القطاع الخاص وتدفقات رأس المال مقارنة مع ما سيكون الوضع عليه عند إجراء عمليات إعادة هيكلة وقائية للديون.

عندما تزيد الحكومات من استثماراتها العامة فإنها تشير إلى التزامها بتحقيق النمو والاستقرار الاقتصادي
back to top