كيف سيكون صباحنا... بعد رحيلك يا صباح الخير؟!

نشر في 06-10-2020
آخر تحديث 06-10-2020 | 00:08
 محمد جاسم العليوي لأول مرة أعترف بأنني لم أستطع تجميع قواي العقلية والذهنية من أجل كتابة كلمة واحدة أعبر فيها عن صدمة الرحيل وتأثيرها القوي على الحواس الخمس والتي فضلنا الله سبحانه وتعالى كبشر عن باقي خلقه.

نعم كان تأثير الصدمة قوياً! وقوياً جداً! جعلتني أحتاج خمسة أيام لكي ألملم لبنة أفكاري وأجمع قواي الفكرية والعقلية لكي أستطيع التعبير بقلمي عما تعانيه نفسيتي من ألم، وعما يعتصر القلب من جراح عميقةً بفراقك يا صباح!

وعندما استرجعت قواي الذهنية، وبعد معاناة من الألم والحزن الشديدين أمسكت قلمي لأبدأ بالتعبير عما تختزله الذاكرة، والكتابة عن المشاعر الحزينة الجياشة التي استملكت مشاعري وأحاسيسي من قوة صدمة الفراق والوداع لشخصية أجبرت العالم أجمع بدوله وقياداته وشعوبه على احترامها، وعن أي احترام نحن نتكلم؟!

إنه احترام "قائد الإنسانية وأميرها" وما إن بدأت بالكتابة حتى خانتني قواي الجسدية المرتعشة من هول الخبر المفجع! وأي خبر؟! خبر رحيلك المفجع يا "صباح الخير"، نعم ارتجفت اليد وسقط القلم عاجزاً عن التعبير عما تكنه النفس من الحب الكبير والاحترام لتلك الشخصية المؤثرة في نفوس الشعوب بمختلف فئاتها وتنوع مذاهبها وحميع طوائفها واختلاف أعمارها وأجيالها، وتعدد مستوياتها الاجتماعية والعلمية والعملية! نعم إنها شخصية "صباح الأحمد الجابر الصباح"، غفر الله له ورحمه، وأسكنه فسيح جناته، اللهم آمين.

وبعد تمالك الأعصاب وتجميع القوى ولملمة الذهن المحتار في الكتابة، وقف العقل مشلولاً ومحتاراً فيما يبدأ به وعما تختزله النفس في تلك اللحظة التي تنوي الحديث عن هول الفاجعة برحيل تلك الشخصية التي وهبت نفسها وعمرها ووقتها وجهدها لخدمة البشرية والإنسانية في شتى بقاع المعمورة من شمالها إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها، ليس طلباً للشهرة أو توسيع النفوذ! إنما إرضاءً للمولى عز وجل، وللضمير الإنساني الذي يختلج تلك الشخصية الفريدة من نوعها على مستوى العالم أجمع!

هكذا هي شخصية صباح الأحمد الصباح ولا استغراب في ذلك! فمن عاش فترة توليه زمام وزارة الخارجية سابقاً ورئاسة مجلس الوزراء ووصولاً إلى اعتلاء سلطة الحكم في دولة الكويت الحبيبة، يعي جيداً من هو صباح الأحمد الجابر الصباح، الغائب الحاضر بيننا.

فيا جماعة الخير، أعينوني على الكتابة والتعبير، ومن أين أبدأ موضوعي؟! هل أبدأ الحديث عن: صباح الدبلوماسية الحكيمة؟! أم صباح الإنسانية والبشرية؟! أم صباح التواضع الجم؟! أم صباح الأخلاق العالية؟! أم صباح الكرم والجود؟! أم صباح الحكمة والعقلانية؟! أم صباح الصبر وطول البال وسعة الصدر؟! أم صباح لمة الشمل ونبذ التفرقة؟! أفيدوني أفادكم الله عن أي صباح أبدأ؟!

فعلاً احترت واحتار البال معي، وأخيراً اقتنعت، بأنني مهما كتبت ومهما خططت من كلمات وجمل وأعمدة ومواضيع، فإنني لم ولن أستطيع إعطاء ولو ذرة أو قطرة في بحر لأوفي حق شخصية "صباح الأحمد" النادرة في الوجود، فكل ذلك لم ولن يوفي شخصية أمير الإنسانية الفذة أو قاموس الإنسانية.

وأدركت بعد ذلك أنني أحتاج إلى مجلدات وإصدارات وشهور وسنين لكي أفي تلك الشخصية القليل والقليل جداً من حقها على ما بذلته من جهد وعمل ومال وكرم في سبيل الإنسانية والبشرية جمعاء.

عندما يقف العالم أجمع صمتاً وحزناً وعندما تقف شعوب تعتصر ألماً، وعندما تنزف عيون الإنسانية دموعاً، وعندما تتألم قلوب الناس بجميع ألوانهم ودياناتهم وأعراقهم ومذاهبهم، تأثراً على فراق ورحيل سمو الأمير والد الجميع صباح الأحمد الجابر الصباح... عندها لا بد أن تعلم أنك أمام توديع شخصية عظيمة ومؤثرة لن يجود الزمان بها لاحقاً، ولن تتكرر بسهولة، وستبقى راسخة طوال السنين والأزمان القادمة في أذهان البشرية والإنسانية جمعاء، ولا غرابة في ذلك!

وعلينا أن نتقبل غياب "صباح الخير" مع كل مساء وصباح، اللهم لا اعتراض، نعم ثم نعم، هذه هي شخصية الأمير الوالد الذي رحل بدون موعد، وترك لنا ألماً كبيراً وجرحاً عميقاً لن يلتئم بسهولة مهما طالت أعمار أو قصرت، فوداعاً يا صباح العز والفخر والعروبة والشهامة، ووداعاً يا "صباح" السند والذخر والمواقف الحكيمة، وإلى جنة الخلد والفردوس الأعلى، بإذن الواحد الأحد المولى جل شأنه.

وختاماً لا نملك إلا أن نرفع أكفنا نحو السماء داعين ومتضرعين إلى الله سبحانه وتعالى:

"اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ، وَعَافِهِ، وَاعْفُ عَنْهُ، وَأَكْرِمْ نُزُلَهُ، وَوَسِّعْ مُدْخَلَهُ، وَاغْسِلْهُ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ، وَنَقِّهِ مِنَ الْخَطَايَا كَمَا نَقَّيْتَ الثَّوْبَ الأَبْيَضَ مِنَ الدَّنَسِ، وَأَبْدِلْهُ دَاراً خَيْراً مِنْ دَارِهِ، وَأَهْلاً خَيْراً مِنْ أَهْلِهِ، وَزَوْجَاً خَيْراً مِنْ زَوْجِهِ، وَأَدْخِلْهُ الْجَنَّةَ، وَأَعِذْهُ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ وَعَذَابِ النَّارِ".

ونعرب عن خالص العزاء والمواساة لسمو الأمير الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح أمير دولة الكويت، حفظه الله ورعاه ورئيس وأعضاء مجلس الأمة الكويتي وللحكومة الرشيدة وللشعب الكويتي الشقيق في وفاة المغفور له، بإذن الله، الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، راجين من المولى العزيز القدير أن يتغمده بواسع رحمته، وأن يلهم الأسرة الكريمة والشعب الكويتي الشقيق الصبر والسلوان.

back to top