أديب كبير... لكنه بخيل!

نشر في 06-10-2020
آخر تحديث 06-10-2020 | 00:20
 د.نجم عبدالكريم حفِل النصف الثاني من القرن التاسع عشر بعدد كبير من الأدباء والكتاب والشعراء والمفكرين الروس، ففي مراحل متقاربة ظهر في روسيا كلٌّ من: ليرمانتوف، بوشكين، جوجول، دستويفسكي، تولستوي، تورجنييف... هذا الأخير هو من سأسلط بعض الضوء على ملامح من حياته، حيث كان ضعيفاً أمام والدته، التي كتبت له وثيقة وطلبت إليه الالتزام بها: "يا ولدي تورجنييف عش ودع غيرك يعيش، اعتنِ بمن يستحقون الحياة حقاً، ولا أعني الفلاحين والفلاحات والعبيد والإماء... افعل ما يحلو لك إلا أن تثور على القيصر... عش كما يعيش النبلاء أمثالك، أنت ورثت عن أبيك خمس قرى بمزارعها وعبيدها ومواشيها، وسترث مني عشرين قرية أخرى، وبذلك فأنت أثرى من ذاك الذي تعتبره أستاذك –تولستوي– فلا تبعثر أموالك على من لا يستحقون من أصدقائك الكتاب وفارغي العقول والجيوب".

***

• ولهذا لا يعرف تاريخ الأدب كاتباً بخيلاً مثل تورجنييف، الذي كان شديد الإعجاب بدستويفسكي، ويبدأ الكتابة إليه بكلمة "أخي العزيز"، ومع هذا حين كان دستويفسكي في أشد الحاجة إلى مئة روبل، وهو في منفاه في سيبيريا، أبى أن يرسل له شيئاً. ولما أشيع في روسيا كلها ما فعله تولستوي، حينما قام بتوزيع مزارعه على الفلاحين، وحرر العبيد من ربقة العبودة بعث إليه بالرسالة التالية: "أستاذي الكونت تولستوي، إن ما فعلته سيفتح الباب لثورة الفلاحين التي قد لا تقل شراسة عن الثورة الفرنسية، فنحن لسنا فرنسيين، نحن روس، وما يصلح لفرنسا أو إنكلترا أو ألمانيا لا يصلح لبلادنا... أستاذي في رسالتك الأخيرة تدعونني إلى أن أحرر العبيد والإماء في مزارعي، ولكنك أيها الكونت لم تذكر لي نتائج تجربتك. إنني واثق أنها بالغة السوء... آسف... لا أوافقك على ما فعلت، ولا أنوي أن أخرج على تعاليم سيدي جلالة القيصر بالقيام بعمل لا يرتضيه".

***

• ولما ذهب تورجنييف إلى فرنسا شغف بغرام عنيف بمغنية الأوبرا بولين، فكان يرابط كل ليلة في المقعد الأمامي وهي تغني بـ"حلاق إشبيلية". وكان تورجنييف في ضيافة الشاعر الفرنسي دي موسيه، الذي قال له يوماً:

-يا صديقي تورجنييف، لقد رأيت في الظلام دموعك كاللآلئ على خديك، وأنت تستمع الى بولين... يا عزيزي هذا النوع من الحب لا يليق بك ولا بها.

- لماذا؟

-لماذا؟... لا يمكن أن يكون هناك حب بهذا العنف وبلا نتيجة!

- ماذا تريدني أن أفعل؟

-عبّر لها عن حبك.

- بولين ليست مبتذلة كشقيقتها عشيقتك.

-يا تورجنييف النساء كلهن سواء أيها المغولي الرومانسي.

- ولكن بولين متزوجة وتحب زوجها.

- اسمع أنا سأقيم حفلاً على شرفها وستحضره هي وزوجها.

- لا يا عزيزي دي موسيه، أنا واثق أن هذا الحفل لن يحقق النتيجة التي في رأسك.

- تورجنييف العزيز، كثيراً ما يشاع عن بخلك وتخشى من دفع فاتورة هذا الحفل.

- ألست أنت صاحب الدعوة؟

- ولكن عندما تعلم بولين أنك من سعى إليها سيكون الأمر مختلفاً.

- كيف؟

- أن تنشئ علاقة مع فنانة أَغدِق عليها بالهدايا.

- لا لا، إنها لن تحبني أبداً.

***

• بقي في باريس يعشق بولين إلى أن مات، ولم يحظ إلا بلقب الأديب البخيل تورجنييف.

back to top