جائحة كورونا والفكر التآمري عند العرب

نشر في 25-09-2020
آخر تحديث 25-09-2020 | 00:02
 د. عدنان العنزي لیس هناك أي دلیل حاسم على وجود مؤامرة في تصنیع فیروس كورونا لیكون سلاحا بیولوجيا، ومع ذلك تجد من یرمي الاتهامات على الولایات المتحدة تارة وعلى الصین تارة أخرى، فقد نشرت مجلة "Medicine Nature" المتخصصة دراسة أعدها علماء في 17 مارس من العام الحالي، خلصت إلى أن الأدلة تظهر أن سارس (كوفید-2) لیس فیروسا تم التلاعب به بشكل متعمد.

ومزاعم المؤامرة بدأت عندما أشار دونالد ترامب إلى أن الفیروس صیني، في حین اعتبر مستشار الأمن القومي الأمیركي روبرت أوبراین أن محاولة الصین إخفاء الحقائق عن المجتمع الدولي عند اكتشافها الفیروس هو ما تسبب في هذه الجائحة، وفي المقابل أكدت الصین أن الجیش الأمیركي هو من نشر الفیروس في بلاده، عندما شارك الجنود الأمیركیون في الألعاب الریاضیة العسكریة العالمیة التي جرت في مدینة ووهان الصینیة، في أكتوبر 2019، كذلك اعتبرت إیران أن الفیروس جزء من حرب "بیولوجیة" تشنها الولایات المتحدة ضد خصومها الدولیین وتتبنى الاتهام نفسه وتروجه وسائل الإعلام الروسیة. إن نظریة المؤامرة أو الفكر التآمري تهدف إلى إیجاد العدو الذي يهدد الشعب أو الجماعة أینما كانت، فيعزز ذلك الهوية الاجتماعية، التي تقوم على مصیر مشترك وهو أن الجمیع یكرهنا، وأن هناك عدواً لنا یرید تدمیرنا، فهذا الإحساس یؤدي إلى الشعور بالانتماء المشترك عند الأفراد، ویقوي الترابط والانسجام بینهم، وكلما زاد الإحساس بالتهديد والتآمر والظلم زاد تماسك الجماعات المتطرفة. في الوقت الحاضر يبدو أن هناك نظریات مؤامرة أكثر من أي وقت مضى وهي في ازدیاد، وعلى الرغم من أن المعتقدات في المؤامرات یمكن أن تؤدي دورا مهما في المجتمع فإنه تم إجراء القلیل من الأبحاث حول نوع الظروف التي تجعل الناس یؤمنون بنظریات المؤامرة التي تحفزهم على الاستعداد للدفاع الجماعي عن النفس ضد التهدیدات المزعومة من الجماعات الخارجیة. أما بخصوص العالم العربي والإسلامي فتدور معظم نظریات المؤامرة حول فكرة أن الغرب یسعى دائما للقضاء على الإسلام والمسلمین، من اتفاقیة سایكس بیكو (1916) إلى مؤامرة بیع السلاح الفاسد للعرب سنة 1948، وهجمات 11 سبتمبر عام 2001 في نیویورك هي من تدبیر وكالة الاستخبارات المركزیة CIA لتبریر احتلال أفغانستان وغزو العراق، كما یعتقد الكثیر من العرب أن "داعش" و"القاعدة" وجماعة "بوكو حرام" هي صناعة غربیة لتشویه الإسلام، وأن الثورات العربیة مؤامرة أميركیة لاستنزاف المنطقة.

إن العرب الأكثر تأثرا بالخطاب التآمري، ویتجلى ذلك بوضوح في ثقافتهم وسیاساتهم، فقد أشار الكاتب والمؤرخ الأميركي بایبس دانیال في كتابه: "The Hidden Hand Middle East Fear of Conspiracy" إلى أن العرب والإیرانیین هم أكثر الشعوب في العالم إیمانا بنظریات المؤامرة، وأشدها حماسا في نشرها، ویرجع ذلك إلى ثقافة هذه الشعوب، وتراثها الأدبي المليء بالخرافات والأساطیر ذات المعاني العمیقة.

وتظهر التجارب أن التعرض لنظریات المؤامرة یقلل الثقة بالمؤسسات الحكومیة، حتى لو كانت نظریات المؤامرة غیر مرتبطة بتلك المؤسسات، كما أنه یسبب خیبة أمل السیاسیین والعلماء، كما أن الأبحاث التجریبیة تشیر حتى الآن إلى أن نظریات المؤامرة تعمل على تآكل رأس المال الاجتماعي وقد تحبط، إن وجدت، حاجة الناس إلى رؤیة أنفسهم كأعضاء قیّمین في مجموعات كریمة أخلاقیا.

back to top