الاحتفال بالذكرى 75 لإنشاء الأمم المتحدة

نشر في 24-09-2020
آخر تحديث 24-09-2020 | 00:06
الأمم المتحدة لا تزال مؤسسة مؤثرة بشكل كبير، والأهم من ذلك كله أنها تمثل الجانب المشرق للبشرية، أي الاعتقاد بأن جميع الناس يستحقون أن ينعموا بالكرامة وبأن العمل معا هو الطريق الوحيد لتحقيق ذلك، وبعد 75 سنة من ولادتها يجب على العالم إحياء هذا الاعتقاد وإعادة الالتزام بالتعددية التي تجسدها.
 بروجيكت سنديكيت بينما تحتفل الأمم المتحدة بالذكرى 75 لإنشائها لا يزال العالم في حالة اضطراب، فلقد نتج عن جائحة "كوفيد-19" مليون وفاة تقريبا حتى الآن، وليست هناك أي إشارات على أننا اقتربنا من احتواء تلك الجائحة. يشهد الاقتصاد العالمي أسوأ ركود منذ الركود العظيم في ثلاثينيات القرن الماضي، كما أن الكوارث الطبيعية الشديدة والاستثنائية وذلك من الفيضانات إلى حرائق الغابات قد تسببت في أضرار كبيرة للعديد من الدول، أما الولايات المتحدة الأميركية- التي كانت لفترة طويلة من أكبر المؤيدين للتعاون المتعدد الأطراف على مستوى العالم- ترفض الآن أصدقاءها وشركاءها، حتى أنها تقوم باستعدائهم. لقد أصبحت الأمم المتحدة والإيمان بالتضامن العالمي الذي تمثله الأمم المتحدة أكثر أهمية مقارنة بأي وقت مضى.

لقد قامت الأمم المتحدة على أساس ثلاثة أركان:

الركن الأول هو السلام، حيث كان هدفها الأساسي هو النجاح في هذا الجانب، الذي فشلت فيه عصبة الأمم سيئة الحظ، حيث حلت مكانها الأمم المتحدة، وهذا الهدف هو تجنب حرب عالمية أخرى. لقد تأسست الأمم المتحدة في بدايات الحرب الباردة مما يعني أنها أصبحت منتدى أساسيا للحوار، ومنذ سقوط جدار برلين أدت الأمم المتحدة دورا مهما في بناء السلام في العديد من الدول.

الركن الثاني هو حقوق الإنسان، وفي سنة 1948 وافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والذي وضع لأول مرة الحقوق الأساسية- بما في ذلك المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية– التي يجب على جميع البلدان الالتزام بها، وعلى الرغم من أن الآليات التي وضعتها الأمم المتحدة لحماية تلك الحقوق أتت بنتائج متفاوتة فإن من المؤكد أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان كان حدثا مهما ساهم في جعل حقوق الإنسان أولوية دولية.

الركن الثالث هو التنمية، وطبقا لميثاق الأمم المتحدة فإن الدول الأعضاء ملتزمة "بالترويج للتقدم الاجتماعي وتحقيق مستويات معيشة أفضل ضمن حرية أكبر"، وإن أجندة التنمية تتضمن هدف التقليل من انعدام المساواة ضمن البلدان بما في ذلك من خلال إنهاء الاستعمار الذي كان أيضا جزءا من أجندة مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية.

ومن أجل الترويج للتنمية، أنشأت الأمم المتحدة خمس مفوضيات إقليمية بين سنة 1947 وسنة 1973 ودعمت الدول النامية بالمساعدة التقنية، وهو نشاط أصبح مؤسسيا مع إنشاء برنامج الأمم المتحدة للتنمية سنة 1965 وبالإضافة الى ذلك وفي يناير 1965 قررت الأمم المتحدة أن ستينيات القرن الماضي ستكون أول عقد للتنمية بالنسبة لها، وهي مبادرة كان يروج لها الرئيس الأميركي جون كينيدي.

وكعنصر أساسي من تلك الأجندة، سعت الأمم المتحدة الى دعم إنشاء نظام اقتصادي عالمي أكثر عدالة يؤدي الى تحقيق تقدم مشترك، وبينما تم إحراز تقدم في عملية إنهاء الاستعمار وأصبحت أعداد متزايدة من الدول النامية أعضاء في الأمم المتحدة، أصبحت المنظمة أهم منبر في العالم لمناقشة وتطبيق التغييرات المتعلقة بالنظام الاقتصادي العالمي، وإن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية- الذي تم إنشاؤه سنة 1964- دعم هذه العملية، علما أن من إنجازاته أنه أدخل ضمن النظام التجاري العالمي "معاملة خاصة وتفضيلية" للدول النامية. لقد قامت الأمم المتحدة لاحقا لذلك بتوسيع نطاق عملها من أجل التحقق من أن بإمكان الدول النامية الوصول للتمويل التي تحتاجه، وإن المؤتمر العالمي للتمويل من أجل التنمية الذي عقد في مونتيري بالمكسيك سنة 2003 وبدعم من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي يعتبر حدثا مهما في هذا الخصوص. لقد تم عقد مؤتمرين آخرين منذ ذلك الحين- في الدوحة بقطر سنة 2008 وفي أديس أبابا بإثيوبيا في سنة 2015– من أجل إحراز تقدم في الأجندة التي تم التوصل إليها سنة 2002، وبالمثل فقد أدت الأمم المتحدة دورا مركزيا في المناقشات المتعلقة بتمويل استجابة الدول النامية لأزمة "كوفيد-19".

لكن التقدم الاقتصادي يمثل فقط جزءا من معادلة التنمية، حيث ظهر ذلك الطرح لأول مرة سنة 1978 عندما نشرت منظمة العمل الدولية دراسة قامت فيها بتعريف "الاحتياجات الأساسية" للناس في الدول النامية على النحو التالي: الطعام والملابس والإسكان والتعليم والنقل العام، وقد مهد هذا الطريق لمفهوم "التنمية البشرية" الذي قام برنامج الأمم المتحدة للتنمية بتفعيله لاحقا في تقاريره المتعلقة بالتنمية البشرية. بعد سقوط جدار برلين، ساهمت سلسلة من المؤتمرات الدولية في توسيع أجندة التنمية البشرية بشكل أكبر، فعلى سبيل المثال المؤتمر العالمي الرابع للمرأة الذي عقد سنة 1995 نتج عنه إعلان بيجين ومنصة العمل، وهو أكثر برنامج عمل تقدمية فيما يتعلق بدعم حقوق المرأة وفي يناير من سنة 2011 تم تأسيس كيان مختص وهو هيئة الأمم المتحدة للمرأة، وذلك من أجل إحراز تقدم فيما يتعلق بتلك الأهداف.

تشكل هيئة الأمم المتحدة للمرأة أحدث إضافة لشبكة كبيرة من الوكالات المتخصصة، والتي تعكس التزام الأمم المتحدة بالتنمية الاجتماعية، وإن تلك الوكالات تتضمن اليونسكو (وكالة الأمم المتحدة للتعليم والثقافة) ومنظمة الصحة العالمية وصندوق الأمم المتحدة للطفل (اليونيسيف) ومنظمة الأغذية والزراعة (الفاو). لقد تم إدماج منظمة العمل الدولية كذلك في نظام الأمم المتحدة، وإن من العناصر الأساسية في هذه الشبكة هو برنامج الأمم المتحدة للبيئة الذي تأسس خلال مؤتمر الأمم المتحدة للبيئة البشرية في استوكهولم سنة 1972 ومنذ ذلك الحين عقدت سلسلة من المؤتمرات برعاية الأمم المتحدة- وذلك من مؤتمر البيئة والتنمية في ريو دي جانيرو سنة 1992 الى مؤتمر التغير المناخي في باريس (كوب 21)- والتي نتج عنها اتفاقيات تاريخية لمحاربة التغير المناخي وحماية التنوع البيئي ووقف التصحر علما أنها تمثل أفضل أمل لنا للإبقاء على كوكبنا صالحا ليعيش البشر فيه، وفي وقت أصبحت فيه تأثيرات التغير المناخي ظاهرة للعيان بشكل متزايد، فإنه لا يمكن التقليل من الأهمية الكبيرة لتلك الجهود. في واقع الأمر فإن الأمم المتحدة هي من أكبر الداعمين لمفهوم واسع للتنمية المستدامة، حيث ترى أن التنمية السليمة على المدى الطويل يجب أن تضع بعين الاعتبار القضايا الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، وفي سنة 2000 قادت الأمم المتحدة الجهود المبذولة لتحديد أهداف التنمية للألفية، التي تبعها أهداف التنمية المستدامة لسنة 2015 التي تعتبر اليوم الإطار الرئيس للعالم من أجل إحراز تقدم فيما يتعلق بهذه الأجندة.

إن الأمم المتحدة لا تزال مؤسسة مؤثرة بشكل كبير، والأهم من ذلك كله أنها تمثل الجانب المشرق للبشرية، أي الاعتقاد بأن جميع الناس يستحقون أن ينعموا بالكرامة وبأن العمل معا هو الطريق الوحيد لتحقيق ذلك، وبعد خمس وسبعين سنة من ولادة الأمم المتحدة يجب على العالم بدءا بالولايات المتحدة الأميركية إحياء هذا الاعتقاد وإعادة الالتزام بالتعددية التي تجسدها الأمم المتحدة.

*خوسيه أنطونيو أوكامبو*

وزير مالية سابق في كولومبيا، ووكيل عام سابق في الأمم المتحدة، وهو حالياً أستاذ في جامعة كولومبيا ورئيس للمفوضية المستقلة لإصلاح الضرائب الدولية على الشركات.

«بروجيكت سنديكيت، 2020» بالتفاق مع «الجريدة»

الأمم المتحدة قامت على أساس ثلاثة أركان: السلام وحقوق الإنسان والتنمية
back to top