السياسة الخارجية البريطانية بحاجة إلى إعادة ترميم!

نشر في 21-09-2020
آخر تحديث 21-09-2020 | 00:00
 تشاتام هاوس هل تتبع بريطانيا أي سياسة خارجية؟ كانت الإخفاقات في العراق وأفغانستان كفيلة بكبح رغبة توني بلير ومناصريه في التدخل، ثم انقلبت ركائز الاستراتيجية البريطانية في أوروبا ومنطقة المحيط الأطلسي رأساً على عقب بسبب استفتاء "بريكست" ووصول دونالد ترامب إلى سدة الرئاسة الأميركية. أصبحت بريطانيا محاصرة بمظاهر الانتهازية الروسية وتبدو مرتبكة حول كيفية التوفيق بين المخاطر الأمنية والفرص الاقتصادية في تعاملها مع الصين، وفي الوقت نفسه، يتجه العالم سريعاً نحو حقبة جيوسياسية خطيرة وثنائية القطب. في ملفات إيران والتغير المناخي وإقصاء روسيا من مجموعة الدول الصناعية السبع، بقيت بريطانيا قريبة من مواقف الاتحاد الأوروبي، لكنها اتخذت موقفاً أكثر صرامة وأقرب من الولايات المتحدة والتحالف الاستخباري الخماسي (يشمل أستراليا وكندا ونيوزيلندا إلى جانب الأميركيين والبريطانيين) تجاه الصين وهونغ كونغ، كذلك تجدّد التركيز على حقوق الإنسان.

لكنّ هذه المواقف لا تعكس استراتيجية متماسكة، إذ يجب أن تتولى "المراجعة المتكاملة" للأمن والدفاع والتنمية والسياسة الخارجية وضع استراتيجية مماثلة في الخريف المقبل.

يجب أن تبدأ المراجعة باتخاذ قرارات حول أهم المسائل، فقد تشمل أي لائحة منطقية تجنب الصراع بين الولايات المتحدة والصين، والحفاظ على الازدهار العالمي، ومنع الانتشار النووي، ومعالجة الأضرار البيئية والتغير المناخي، ودعم نظام متعدد الأطراف من القواعد الدولية، فلا مفر من أن تنشأ مشاكل مُلحّة دوماً وستكون طريقة التجاوب معها بالغة الأهمية، لكن يجب أن تُركّز أي سياسة خارجية على أهداف محددة. يُفترض أن تحلل المراجعة المرتقبة المقاربات التي تسمح لبريطانيا، خارج الاتحاد الأوروبي، بإحداث فرق حقيقي في جميع المواضيع الواردة على لائحة الأولويات، فقد تُحدد أحياناً دوراً وطنياً معيناً، مثل تنظيم المؤتمر المناخي في السنة المقبلة، لكن سيرتكز تحقيق الأهداف، كما جرت العادة، على الاستفادة من العلاقات مع الآخرين في معظم الأوقات. تحتل ثلاث علاقات تحديداً أهمية كبرى، إذ يجب أن تخطط بريطانيا لعلاقاتها مع الولايات المتحدة بغض النظر عن هوية الفائز في الانتخابات الرئاسية، وإذا كان بوريس جونسون الزعيم الأوروبي الأقرب إلى دونالد ترامب، فكيف سيستفيد رئيس الوزراء البريطاني من هذا الوضع إذا فاز ترامب؟ لكنّ فوز جو بايدن يخدم المصالح البريطانية على نطاق أوسع في المجتمع الأوروبي الأطلسي المتجدد، مع أن عهده قد يُضعِف الثقل البريطاني في واشنطن مقارنةً ببرلين وباريس، فما الخطة التي تسمح بمواجهة هذا الوضع؟

على صعيد آخر، يجب أن توضع خطة واضحة بشأن الصين، ففي العالم الجيوسياسي الجديد، يُفترض أن تقف بريطانيا بقوة إلى جانب الولايات المتحدة، لكن ليس لدرجة أن تسمح لواشنطن بإملاء سياستها عليها أو تدفعها إلى قطع روابطها الضرورية والمفيدة مع الصين، كما يجب أن يُحدد البريطانيون هدفاً استراتيجياً واضحاً، هل هم مستعدون لخوض مواجهة دائمة وصراعات محتدمة بين القوى العظمى أم يسعون إلى إقامة توازن عالمي أعلى مستوى؟ وفي الحالتين، من سيكون أفضل شركائهم الدوليين؟

تتطلب هذه المقاربة طبعاً إقامة علاقة بنّاءة مع أوروبا لأن أكبر المصالح المشتركة تربط بريطانيا بالأوروبيين، حيث ستكون العلاقات الثنائية بالغة الأهمية، لكنّ تردد البريطانيين في التفاوض على سياسة خارجية موحّدة مع الاتحاد الأوروبي نهج خاطئ.

حين ينتهي الخبراء الاستراتيجيون الأذكياء في الحكومة البريطانية من تقييمهم، ستتحول المراجعة إلى مساومة محتدمة على المال كما جرت العادة، حيث تبرز منذ الآن ثغرات كبرى في ميزانيات المشتريات الخاصة بوزارة الدفاع، ومن المتوقع أن يتفاقم الوضع نتيجة الركود الناجم عن انتشار فيروس "كوفيد-19"، ومع ظهور أولويات جديدة تحتاج إلى التمويل، على غرار الأمن الإلكتروني، لن يتعلق النهج المرتقب بالإنفاق بقدر ما يحاول استخراج المدخرات وإعادة توزيعها.

أخيراً، يجب أن تراقب المراجعة سير تنفيذ الأهداف، فبعدما عمد مقر رئاسة الحكومة البريطانية إلى إضعاف الوزارات، أصبحت آلية السياسة الخارجية مركزية بدرجة مفرطة، حيث يُفترض أن تكسب الاعتبارات التجارية والاقتصادية ثقلاً إضافياً، كذلك يجب أن تقود وزارة الشؤون الدولية المستحدثة والمعدّلة مسار تنفيذ الاستراتيجية الجديدة شرط أن تتسلم السياسات الخارجية والتنموية والتجارية وتشرف على الاستخبارات الخارجية وتعمل عن قرب مع وزارة الدفاع.

لا يمكن أن تصمّم بريطانيا السياسة الخارجية المتماسكة التي تحتاج إليها بعد حقبة "بريكست" من دون تحديد الأولويات والعلاقات والموارد بوضوح، وستصبح هذه المهمة أكثر سهولة إذا توصلت بريطانيا والاتحاد الأوروبي إلى اتفاق في شهر ديسمبر المقبل.

* «السير سايمون فريزر»

back to top