رياح وأوتاد: ذكرياتي في مرفأ بيروت

نشر في 21-09-2020
آخر تحديث 21-09-2020 | 00:10
 أحمد يعقوب باقر في صيف عام 1972 أصر والدي رحمه الله أن يرافقني أخي الأكبر محمود، حفظه الله، في السفر بسيارتي إلى الإسكندرية حيث كنت أدرس.

وبالفعل انطلقنا بسيارتي السريعة التشالينجر الخضراء ذات السقف الأبيض من الكويت إلى سفوان، حيث دخلنا الحدود العراقية ثم إلى مدينة العمارة، فتعشينا الكباب العراقي الأصلي بجانب النهر، ونمنا قليلاً ثم تابعنا على طريق الرطبة الرمادي، وبعدها عبرنا إلى الحدود السورية، وسلكنا طريقاً يعرف بأبي الشامات إلى بيروت التي كانت تعج بكل مظاهر الحركة والنشاط في المحلات والفنادق والمطاعم، ومباشرة ذهبنا إلى مرفأ بيروت، ولحسن الحظ كانت هناك باخرة روسية ستغادر إلى الإسكندرية غداً صباحاً.

وبعد شراء التذكرة والدخول بالسيارة إلى رصيف المرفأ قام الشبيبة القبضايات بتحميل التشالينجر بالرافعة إلى سطح الباخرة، وتم كل ذلك في أجواء من المرح والترحيب وبسهولة ويسر وفي دقائق معدودة وفي مقابل يسير جداً.

وبعدها ذهبنا للتسوق في سوق الطويلة وسوق سرسق واسترحنا في قهوة الأوتوماتيك وتعشينا في مطعم العجمي الشهير في الزيتونة، ثم ذهبنا للنوم في أحد أجمل فنادق بيروت على البحر.

اليوم وأنا أشاهد الدمار الذي حل بمرفأ بيروت تذكرت هذه الرحلة الجميلة، وتذكرت أيضاً غلاف مجلة الحوادث اللبنانية، وعليه صورة لصندوق كبير سقط من إحدى الرافعات في المرفأ، فإذا به ينشق عن كميات هائلة من الأسلحة مع عنوان (ماذا يراد للبنان) كتبه سليم اللوزي قبل اغتياله.

ذكرتني مشاهد الدمار المؤلمة في مرفأ بيروت اليوم بتلك الرحلة الجميلة التي عبرتُ فيها ثلاث دول عربية كانت تنعم بالاستقرار وبالخير الوفير الذي لم يستمر للأسف بسبب الحروب بالوكالة التي صاغتها بخبث الدول الكبرى وأيدي اليهود ومخابراتهم، مستغلة الأغبياء في الداخل، فالعراق تم إهداؤه الى داعش وإيران، وسورية مزقتها أنظمة داخلية وتدخلات خارجية إيرانية وروسية حالت دون قيام نظام تمثيلي سليم، ووقف أوباما وبعده ترامب موقف المتفرج أمام مشاهد دامية راح ضحيتها مئات الآلاف، أما لبنان الجميل فمزقته الطائفية المسلحة، ولم تنفعه وعود فرنسا التي كنا نسمع أهل الجبل في الستينيات يقولون إن فرنسا هي حامية لبنان.

هذه المشاهد هي دروس وعبر تؤكد أن استقرار ورفاهية أي بلد في العالم إنما يعود إلى حصافة الحكم فيه ولجوئه إلى شعبه وأهله، ووعيهم بالخطر الذي يحيط بهم، وعدم استهانتهم بأي عبث ينال من وحدتهم الداخلية، وخطأ اعتماد أي طرف منهم على أي قوة خارجية، خصوصا القوى التي تسيطر عليها الصهيونية العالمية، والعمل على استقلال وحرية بلدهم وقرارهم، وكل ذلك بعد التوكل على الله تعالى ومراعاة أحكامه ومقاصده، "وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ".

back to top