زعيم «القاعدة» مُسنّ ومرتبك... لكنه صاحب عقل إرهابي!

نشر في 18-09-2020
آخر تحديث 18-09-2020 | 00:00
 أيمن الظواهري - أسامة بن لادن
أيمن الظواهري - أسامة بن لادن
بعد مرور 19 سنة على هجوم 11 سبتمبر، لم يحقق زعيم "القاعدة" أيمن الظواهري الشهرة التي اكتسبها سلفه أسامة بن لادن، إذ يتعلق السبب جزئياً بعدم تركيز الولايات المتحدة عليه بما يكفي. باستثناء المبادرات المالية الكبرى للكشف عن مكان وجوده (تصل قيمة المكافأة المعروضة مقابل رأسه اليوم إلى 25 مليون دولار، أي أعلى من أي مكافآت مرتبطة بإرهابيين آخرين في العالم)، تبدو الحكومة الأميركية لا مبالية عموماً تجاه تنظيم "القاعدة" منذ أن تسلم الظواهري قيادته في عام 2011، حتى أن بعض المحللين لشؤون الإرهاب يزعمون أن بقاء الظواهري على قيد الحياة يسيء إلى "القاعدة" أكثر من موته.

لكن لا يتماشى هذا الاستنتاج مع المسار الأخير للتنظيم، إذ لم يتمكن "القاعدة" من إطلاق هجوم مشابه لاعتداءات 11 سبتمبر، لكن يبقى هذا الجانب مقياساً ساذجاً للنجاح، فيحافظ "القاعدة" على فروعه في مختلف مناطق إفريقيا والشرق الأوسط وجنوب آسيا، ويطرح زعيمه الحالي مخاطر على الولايات المتحدة بقدر الزعيم السابق رغم تراجع شعبيته.

الوقائع الأساسية واضحة: أيمن الظواهري رجل متقدم في السن وهو يكرر الكلام نفسه في خطابات طويلة ومتخبّطة، مقارنةً ببن لادن، يبدو الظواهري محصوراً في استراتيجيته التشغيلية ومتمسكاً بأسلوبه الإداري، لقد دافع عن دورٍ أكثر ثباتاً وأقل بهرجة لتنظيم "القاعدة"، مما يعني الحفاظ على الدور الجهادي الرائد عن طريق الوحدة والسياسات الحذرة، لكن لا تزال هذه المقاربة غير جاذبة للمجموعات الأصغر سناً التي تستعد لدخول معترك الجهاد.

يشير النقاد إلى الشرخ القائم بين "القاعدة" و"جبهة النصرة"، أهم فرع له سابقاً في سورية، ويعكس هذا الوضع قلة كفاءة الظواهري في دور القيادة، فمنذ مقتل بن لادن، زاد نفوذ "داعش" ونجح هذا التنظيم في فرض نفسه كقائد للجهاد العالمي، فتفوّق القادم الجديد على أسلافه، ولا ينجم هذا الوضع عن إخفاقات الظواهري على المستوى الإداري فحسب، بل فشله في تطوير إيديولوجيا جهادية تستطيع مضاهاة تركيز "داعش" على إقامة دولة إقليمية وارتكاب أعمال عنف متطرفة.

لكنّ نقاط ضعف الظواهري ساعدت "القاعدة" في نهاية المطاف تزامناً مع تركيز العالم على "داعش"، حيث يعارض الظواهري مثلاً مفهوم بناء الدولة، وكان هذا الموقف كفيلاً بحماية "القاعدة" ومنحه استراحة نسبية في حين أصبح "داعش" الهدف الأولي للجهود الأميركية في مجال مكافحة الإرهاب. وتزامناً مع تكثيف الضربات الأميركية ضد "داعش"، تحسّن تماسك فروع "القاعدة" وحلفائه، وتعرّضت هذه الجماعة في البداية لضغوط هائلة بسبب الانشقاقات المتلاحقة والتصدعات الداخلية، لكن نجحت قيادتها في اقتناص الفرصة الاستراتيجية القائمة للتركيز على السياسات الداخلية والمسائل المحلية. كان لافتاً مثلاً أن يمنع الظواهري انشقاق كبار القادة في "القاعدة"، بما في ذلك سيف العدل وأبو محمد المصري، وكان رضوخ العدل المستمر لأوامر الظواهري مثيراً للاهتمام وقد بدا مستقلاً في تفكيره نسبياً، حتى أنه كان ينتقد قرارات بن لادن.

كانت دعوة الظواهري إلى الوحدة وعدم اهتمامه بالتفوق على الآخرين من حيث أعمال العنف المرتكبة كفيلة بتصوير "القاعدة" وكأنه الجبهة الجهادية التي تستحق الثقة أكثر من "داعش" أمام مناصريه وأي مجندين محتملين، وبدل أن يسمح الظواهري لخصمه بالتفوق عليه، ركّز على استعمال الميول التكفيرية لدى "داعش" وهوسه بمظاهر العنف الوحشية لإعادة صياغة صورة "القاعدة"، ورغم غرابة ما حصل، نجحت الجماعة المسؤولة عن هجوم 11 سبتمبر في طرح نفسها ككيان معتدل في الأوساط الجهادية السنّية.

يستنتج تقرير سري جديد أن معظم المقاتلين بدؤوا يستأنفون "جهادهم" للإطاحة بالحكومة الأفغانية المدعومة من الولايات المتحدة.

كانت منطقة الساحل الإفريقي تتجه نحو الاستقرار، لكن يُهدد الصراع القائم بين الجماعات الجهادية المحلية اليوم بنشر الفوضى مجدداً، حيث تتخذ المعركة ضد الإرهاب الجهادي في إفريقيا أخطر منحى على الإطلاق، وقد يترافق هذا الوضع مع تداعيات تتجاوز هذه المنطقة.

أدى أسلوب ضبط النفس الذي يعتمده الظواهري، مقارنةً بتنظيم "داعش" على الأقل، إلى تعزيز جهود التواصل المحلية التي تبذلها فروع التنظيم الإقليمية، فبعدما تعثّر "داعش" غداة غزواته الأولية ثم واجه ردة فعل شعبية عنيفة، طرح أتباع "القاعدة" بقيادة الظواهري أنفسهم كخيار جهادي بديل وأكثر قبولاً. وكجزءٍ من هذه الجهود، نجح المقاتلون تدريجاً في استمالة السكان المحلين في أجزاء من الصومال وسورية واليمن، وحتى في غرب إفريقيا، كما أنهم أخذوا زمام المبادرة بدل فروع "داعش" في بعض الحالات.

يظن المحللون أن الظواهري ربط "القاعدة" بالحروب الأهلية المحلية لدرجة أن يعجز أتباعه الآن عن متابعة التركيز على الاعتداءات العابرة للحدود، لكن يثبت توجّه "القاعدة" العام واقعاً مختلفاً، لقد أبعد الظواهري التنظيم عن الجدل الجهادي القديم الذي يرتكز على المواجهة بين "العدو القريب" و"العدو البعيد"، فاكتشف طريقة مناسبة لإقامة التوازن المطلوب بين الأهداف العابرة للحدود والمتطلبات المحلية للفروع الإقليمية تزامناً مع محاولة التحكم بمخاطر استهداف التنظيم من الولايات المتحدة.

يبدو أن الظواهري وزّع العمليات العابرة للحدود مثلاً على أتباعه في اليمن وسورية، حتى لو عنى ذلك تقليص المؤامرات وتبسيطها مقابل التركيز على "التخطيط الاستراتيجي والتحلي بالصبر" بحسب رأي مسؤول أميركي بارز في مجال مكافحة الإرهاب.

في منطقة الساحل في غرب إفريقيا سمح الظواهري بكل سرور لـ"جماعة نصرة الإسلام والمسلمين" التابعة لتنظيم "القاعدة" بتحقيق أهدافها الإقليمية، وفي جنوب آسيا، يريد الظواهري من الجماعة المحلية التابعة له أن تستضيف كبار قادة التنظيم وتدعم حركة "طالبان" الأفغانية.

على صعيد آخر، بدا الظواهري براغماتياً على مستوى علاقة "القاعدة" المعقدة مع إيران، فلم يكن هذا الموقف بدهياً في السابق، فلطالما وجّه الظواهري كلمات قاسية ضد إيران حتى عام 2010، لكن خلال العقد الأخير، لا سيما في السنوات القليلة الماضية، أصبحت آراؤه أكثر تساهلاً، وسمح هذا التحوّل الجذري والمدروس لتنظيم "القاعدة" بحماية قياداته وحشد المساعدات المادية (قد لا تأتي من إيران مباشرةً لكنها تمرّ على الأقل بطرقات جغرافية ضمن الأراضي الإيرانية).

ربما يتعلق أكبر انتصار استراتيجي حققه الظواهري بنجاحه في الحفاظ على علاقة "القاعدة" مع حركة "طالبان" الأفغانية التي صمدت رغم الضغوط العسكرية الدولية والأميركية الهائلة التي تدعو إلى قطع العلاقات معها، فذكرت الأمم المتحدة حديثاً أن الظواهري تفاوض شخصياً مع كبار القادة في "طالبان" الأفغانية خلال الأشهر الأخيرة للحصول على ضمانات باستمرار الدعم له، وكانت تلك المحادثات ناجحة على ما يبدو، ورغم التزامات الحكومة الأميركية بموجب اتفاق السلام المبرم في الدوحة في فبراير 2020، لم تتخلَ حركة "طالبان" الأفغانية عن "القاعدة" علناً ولم تتخذ أي خطوة واضحة للحد من عمليات التنظيم في أفغانستان.

لكن رغم أسلوب الظواهري الثابت في قيادة التنظيم (نجح في تقليص خسائر "القاعدة" ومنحه فرصة لإعادة بناء نفسه)، تواجه هذه الجماعة حتى الآن تحديات صعبة تمنعها من المضي قدماً، وفي المقام الأول، تتعلق مسألة أساسية بهوية زعيم "القاعدة" بعد رحيل الظواهري.

على غرار الجيل السابق، سيواجه خَلَف الظواهري صعوبة في إيجاد التوازن اللازم بين ما يعتبره الكثيرون في "القاعدة" جانباً أساسياً من الإرهاب العابر للحدود في الغرب وتكاليف جهود مكافحة الإرهاب التي تطلقها الولايات المتحدة وحلفاؤها، ويظن عدد كبير من القادة على الأرجح أن أي هجوم كبير سيكون إثباتاً دامغاً على أن "القاعدة" هي الحركة الجهادية الطاغية، مما يخدم استراتيجية بن لادن الكبرى التي تقضي باصطياد الولايات المتحدة واستنزافها في المواجهات الصعبة.

لكن يدرك قادة آخرون تكاليف أي عملية إرهابية واسعة النطاق، ويبدو أن الظواهري تعلّم درساً مهماً مفاده أن القدرات الأميركية لمكافحة الإرهاب لا تزال قوية، وهذا الواقع قد يحدّ من حرية تحرك "القاعدة" ويزيد تكاليف دعم التنظيم على بعض الفروع والحلفاء، كذلك يظن هؤلاء القادة على ما يبدو أن التناوب السريع على القيادة، كما حصل بين العامين 2008 و2015، قد يؤدي إلى انهيار "القاعدة".

في مطلق الأحوال لا يزال الظواهري حتى الآن على رأس "القاعدة"، ويبقى هذا الزعيم المتساهل في خطاباته والمعتدل ظاهرياً قوة لا يُستهان بها حتى لو لم يحصل اعتداء مشابه لهجوم 11 سبتمبر في أي وقت قريب.

● كولين كلارك وأسفنديار مير

back to top