زواج المخافر هدية الفاجر!

نشر في 18-09-2020
آخر تحديث 18-09-2020 | 00:07
 سارة المكيمي وصلني مؤخراً على هاتفي مقطع مصوّر يتحدث فيه محام عن قضايا التغرير بالقاصرات، حيث يناشد الأخ الفاضل أهالي الفتيات ممن هن أقل من سن الحادية والعشرين، عدم ترك الرجل الذي غرر بابنتهم وأخذ عذريتها بعد وعود الحب والزواج يفلت بفعلته، فعلى الأهل (الأب والإخوة والأم) أن يضعوا المخاوف الاجتماعية جانبا ويتوجهوا فورا لمراكز الشرطة لإثبات حالة وتقديم شكوى ضده، كما أضاف المحامي أن الشكوى يجب أن تكون فورية تماما بعد المواقعة ليتسنى لهم إثبات الفعل بكل الدلائل والبراهين الصحية. في تلك الأثناء سيكون أمام الجاني خياران: الأول هو الزواج من الفتاة المغرر بها، أو المثول أمام القضاء ليحاسب!

هنا يجب أن نوضح أن الموضوع الذي يتحدث عنه الأخ المحامي ليس اغتصابا أو مواقعة بالإكراه، هي مواقعة بالرضا مع قاصرة تعدت مرحلة الطفولة، ولم تبلغ بعد السن القانونية، غُرر بها تحت ادعاءات علاقة حب وزواج، الضحية تحبه فارتضت أن تكون هناك علاقة جسدية بينهما.

في الحقيقة استوقفني أمران في المقطع: الأول أن فقد العذرية مازال يمثل كارثة هائلة تقع على رأس الفتاة أولا، فتحوّل حياتها الى جحيم وتدمرها بالكامل وفقا لما قاله المحامي، ناهيك عن أن الموضوع لا يخص الفتاة لوحدها بل العائلة كلها، مما يجعل الأسرة برمتها تتلوى بين خِيار الفضيحة والمطالبة بتصحيح الخطأ بصورة قانونية عبر القنوات الرسمية من مخفر وشرطة ومحقق وتقرير وأسماء واستدعاء ومحاكمة، وهو ما يضاعف هوس الفضيحة والتشهير، وبين الصمت الذي ربما سيفضي الى حل تصل له الأسرة الممثلة برجالها طبعاً، والذي في كثير من الأحيان يقع كالحجر الثقيل على صدر الفتاة وربما رأسها!

أما الأمر الثاني وهو الأهم، فيتمثل بالاقتراح الأمثل الذي يطرحه الأخ المحامي كحل للمصيبة، فقد جاء "تزويج" البنت من خادعها هو المخرج "لكي لا تتدمر حياتها بالكامل"! والأمر الذي يضعني في حيرة هو حقيقة أن تكون كارثة مُعلنة حلاً لكارثة مخفية ستر الله عليها، وأن ترتضي الأسرة هذا الرجل الذي خدع ابنتهم وغرر بها، وكذب عليها بوعود لم يف بها، واستغل حبها ومشاعرها نحوه ليصل إلى مبتغاه ثم يتركها تحترق، زوجاً لفتاة قاصرة تبدأ بقية حياتها معه!

فعلى افتراض أن هذا الرجل وافق على الزواج "ليفدي نفسه" كما قالها المحامي، فأي علاقة تلك؟ وأي توافق؟ وأي احترام سيحمله أحدهما للآخر؟ الزوج الذي تزوّج ليهرب من السجن والعقاب، أم الزوجة التي رضيت برجل عديم الشرف والأخلاق والرجولة أساء لها شخصيا خوفا من عواقب اجتماعية وإرضاءً لرجال العائلة؟ القيمة الافتراضية لشرف الجسد هنا طغت على شرف الأخلاق، فنفضل أن نزوج ابنتنا من عديم شرف وأخلاق لكي نحفظ شرف فرجها!

الزيجة بحد ذاتها عار، وحل وقتي سطحي لا إنساني مهدد بالفشل والإساءة والتنكيل والعذاب النفسي والعاطفي للفتاة، بل حل رخيص موعود بالطلاق لا محالة وربما ما هو أعتى من الطلاق، فهذا الحل ما هو إلا تعاسة أبدية لمشروع امرأة لم تكتمل بعد! وفي الحقيقة من يفتدي نفسه هم العائلة من خلال تقديم ابنتهم المغرر بها ذبيحة سائغة على مائدة الأعراف الاجتماعية البالية، فخافوا الله في بناتكم، فهن فعلاً لا يستحققن ما يحدث لهن.

back to top