مناجاة الطيب: الكتابة للطفل تشبه العالم الافتراضي

«تبنى على الشفافية والروح المرنة المشكَّلة حسب المقام»

نشر في 18-09-2020
آخر تحديث 18-09-2020 | 00:03
تعتمد الكاتبة السودانية مناجاة الطيب في كتاباتها للأطفال على ذكاء الطفل، وترى أن عقلية الأطفال تفوق ذكاء من يكتبون لهم، وترجع ذلك إلى البراءة التي يتمتعون بها.
وتوضح الطيب في حوار مع «الجريدة»: أن البراءة تحمل نقاء الدهشة الأولى التي إن لم يشعر بها الطفل فإنه يكون قد حكم على الكاتب بالفشل. وتحفل مسيرة الطيب بالمنجزات والمشاركات الثقافية داخل السودان وخارجه، وساهمت فى الوصول إلى تنمية مدارك الطفل من خلال ماتقدمه له مؤكدة أن الطفل يكتسب قدراته مما يتوفر لديه، وينعكس ذلك على تصرفاته الآنية والمستقبلية عندما يكبر.
وتضيف: نستطيع شحذ همته بسيرة الأبطال والشخصيات المؤثرة ليتخذ منها قدوة، فهو كائن جميل يحب التقليد لذا يجب أن نستغل فيه هذه الصفة، ونجعل منه شخصاً صالحاً يحيا ليصنع مجتمعاً صالحاً وهذا لا يتوفر وسط انشغال الأبوين. وإليكم التفاصيل:
• الكتابة للطفل لها موانع وشروط... ماذا عن هذه الموانع، وما شروط الكتابة للطفل برأيك؟

- الكتابة للطفل تشبه العالم الافتراضي، له قوانينه الخاصة التي تبنى على الشفافية والروح المرنة التي تشكل حسب المقام، فلكل مقام مدلولاته ومقالاته، فهو كالحديقة متنوعة الأشجار والأشكال، لا يرى فيها قبح ولا سوء هكذا هي الكتب الموجهة للطفل تتعدد مشاربها والنبع واحد؛ وإذا تحدثت عن الموانع والشروط فكلما كان العمل سلساً بعيداً عن السذاجة، يحترم عقل القارئ الصغير ويحمل مضامين وقيماً من شأنها بناء شخصية متوازنة كلما نجحت في شق طريق له نحو هدف محدد، يجد ويجتهد للوصول إليه لتحقيقه، ويمنع كل ما هو دون ذلك من كتابات مضطربة الفكرة لا يدري كاتبها ماذا يريد أن يوصله للطفل، فتجد العمل وكأن له بقية بعد أن أفلتت خيوطه من خاطرته.

• لك العديد من الأعمال الإبداعية... وقمت بتأسيس وإعداد أكثر من مجلة موجهة للأطفال... ماذا عن بدايات هذه الرحلة، وكيف جاء توجهك لكتابة الطفل؟

- نعم لديّ الكثير من المؤلفات ما نشر، وما لم ينشر بعد، وبالفعل ساهمت في العديد من المجلات للأسف أغلبها توقف لأسباب مادية، وكانت بداياتي في نهاية الثمانينيات، وكانت تجربة أضافت لي الكثير، ووضعتني في بداية طريق الاحتراف بعد أن تلمست سكة الصحافة مبكراً كهاوية عبر الجرائد الحائطية في المدرسة التي كنت أحررها كاملة؛ ومراسلة المجلات والصحف إلى أن حظيت بساعة حظ تمسكت بها وكنت وقتها أصغر سكرتير تحرير، إذ لم أبلغ العشرين من العمر حينها، ولكن أعانني وجودي في عالم صحافة الطفل كقارئة نهمة لكل ما يقع على يدي من مجلات أطفال عربية كنت أتخذها مثل مقرر وتدريب؛ فهناك شيء في داخلي منذ الطفولة كان ينبئني بأن هذه سكتي، وهدفي الذي صار حلماً أراد الله له أن يصير حقيقة إذن يمكنني القول، إن البداية كانت مبكرة وهي هبة من الله حرصت على المحافظة عليها ببذل كل ما أستطيع من جهد لتقديم المفيد والجميل لأدب وثقافة الأطفال شرطاً أن يحمل بصمتي كما أنني مارست العمل الصحافي في الصحف لكن يظل ولائي لصحافة الطفل هو الأقوى.

عقدة الكتابة

• برأيك لمَ لم يستطع الكثيرون من كتاب أدب الأطفال الوصول إلى عالمه؟

- حتى يصل كاتب الأطفال لعالمهم عليه أن يعود لطفولته، ويراجع أفكاره، وأمنياته وقتها كيف كان يتصرف، وما سره الخطير الذي يظن أنه هو وحده من يحتفظ به، ولا يريد أن يفضح خشية التوبيخ فالكبار لا يفهمونه، ولا يقدرون موقفه هذه هي العقدة إذا استطاع الكاتب فكّها وشاركهم أفكارهم وساقهم بذكاء لسكة الخير، والقيم السامية والفطرة السوية، أما إذا صار يحكي قصصاً ساذجة، ويحاول أن يرضيهم بإدخال وسائل التكنولوجيا الحديثة، وإقحامها في غير موضعها ظناً منه أنه يلبي متطلبات العصر فسوف يكون ما يقدمه مدعاة لسخريتهم، وابتعادهم عن القراءة، وللأسف أمثال هؤلاء هم الخطر الحقيقي لانصراف الناس عموماً عن الكتاب، ولا شيء غيرهم حسب اعتقادي فكما يقال «الشر يعم».

باهظة التكاليف

• هل ثمة مشكلات تعرقل مسيرة وخطى «أديب الأطفال»؟

- أقولها بوضوح «المادة» هي العدو الشرس للكاتب، فهو يصارع في عدة جبهات، يصارع من أجل الإيفاء بالواجبات الحياتية لأسرته فما يجنيه من مهنته دراهم معدودات لا تفي بأبسط الأشياء وهناك الكثيرون تساقطوا بسبب الحاجة؛ ومن ناحية أخرى لا يجد ما يستوعب منتوجه، فصناعة النشر باهظة التكاليف،زهيدة العائد مما جعل الكثير من دور النشر يشترطون أن يسلمهم الكاتب كتابه في مرحلته الأخيرة ينشرونه بمقابل مادي يتحمله الكاتب، وهو أصلاً لايملك نقوداً وإلا لماذا يعطيهم إياه لنشره إذا كان يمكنه القيام بكل ذلك مع العلم أن كتاب الأطفال أكثر تكلفة؛ لذلك تجد كاتب أطفال لا تتجاوز مطبوعاته أصابع اليد الواحدة، بينما لديه من الإنتاج الكثير حبيس الأوراق، والأدراج .

خيال ودهشة

• هل يلعب الخيال دوراً فيما يكتب؟

- بل هو الخيال في كل ما يكتب حتى حينما يعيد سرد قصة واقعية دينية أو تاريخية فإذا لم يرسل خياله بالوصف، والسرد فلا وجود له بين طيات ما خطه قلمه فعالم الأطفال قائم على الخيال والدهشة، أبطال خارقون من عوالم غير مرئية، حيوانات تتحدث، جمادات تتحرك، شخص يتحدث مع نفسه ورغماً عن ذلك وصل إلينا حديثه، والكثير الكثير من أوجه الزمان والمكان، لذلك يحلو لي أن أصف عالم الطفولة بالعالم الافتراضي بحيث يكون كل شيء فيه ممكناً.

هيمنة اقتصادية

• بعد ابتعاد الأطفال عن القراءة... ما النصيحة التي توجهينها للأسرة العربية كي تساهم في تشجيع الأطفال على القراءة؟

- الأطفال لم يبتعدوا؛ بل أبعدوا عن القراءة لعدة أسباب أهمها: الوضع الاقتصادي للكثير من الدول العربية التي فرض عليها واقع أن يكون شراء كتاب خصماً عن رغيف الخبز، وأن تصير القراءة نوعاً من الترف بعد ارتفاع سعر الكتاب، واختفاء أكشاك المكتبات التي كانت على أطراف الشوارع، وصار المنفذ الوحيد للبيع هو المعارض السنوية، وللأسف هي تجارية بحته يضع الناشر ثقل إنفاقه في النقل، والإيجارات، والطباعة على سعر الغلاف، لتنوء عن شرائه الأسر المغلوبة على أمرها، إذا كانت هناك رسالة أوجهها للحكومات بدعم صناعة الكتب، وإلغاء كل الإجراءات الخاصة بالمعارض لدور النشر القادمة من خارج القطر المضيف، وهذا ليس بالأمر الصعب، لأنها تمتلك أرض المعارض، ووسائل النقل، عليها أن تستغني عما يعود لها من عائد نقدي مقابل دعم الثقافة مع إلزام دور النشر بالربح المعقول وقتها؛ المشكلة ليست في الأسر.

دعم الكتاب

• لكن كيف يمكن النهوض بثقافة الطفل العربي وسط هيمنة وسائل الألعاب الإلكترونية؟

- في هذا الأمر يجب عدم التعميم، هذه الألعاب غير متوفرة لجميع الأطفال أؤكد لك، وعلى مستوى البلدان أن الحصول عليها أكثر صعوبة من الكتاب، وإذا توفرت فليس كل الأطفال لديهم شغف بها، أنا أؤمن تماماً بأنه لا بديل للكتاب إلا الكتاب، كما أني لا أفترض أن كل الأطفال يحبون القراءة، أو أنهم كلهم يحبون كرة القدم، أو نوع آخر من الهوايات المتعددة، وأحب أن أشير إلى أمر مهم فأكثر الناس بمختلف مراحلهم السنية هم محبون للقراءة، والاطلاع هم الفقراء، ومتوسطي الدخل فالألعاب الإلكترونية لا تهدد الكتاب على الإطلاق.

مسيرة مستمرة

• إلى أي مدى تستطيع مناجاة الطيب القول إنها أخلصت لأدب الأطفال في ظل رحلتها الإبداعية؟

- يمكنني القول، إنني نذرت لها عمري، متفرغة لها تماماً إلا من بعض الكتابات هنا وهناك تدر لي مالاً أجابه به احتياجاتي الحياتية، كما أنني عندما كنت رئيسة تحرير عدد من مجلات الأطفال في فترات متعاقبة، كنت شديدة الحرص على أن تخرج المجلة بأقصى ما يمكن من الجودة، وكنت دائمة الاستفادة من تجارب الآخرين، وقد سافرت إلى الإمارات على نفقتي المتواضعة للوقوف على تجربة «مجلة ماجد»، وأيضاً المجلات المصرية «سمير، وقطر الندى»، ومقابلة مبدعي ثقافة الأطفال، والتحاور معهم، وأحلم أن تمتد زيارتي لأكبر عدد من المجلات العربية بحثاً عن كل جديد، ومن أجل تلاقح الأفكار، وتكامل الرسالة هذا هو همي الذي سأخلص له لآخر يوم في عمري.

• ما الجديد لديك؟

- انتهيت من تجهيز أربعة كتب جاهزة للنشر، وثلاث قصص كتبتها أثناء فترة الحجر إحداها كنت قد بدأت كتابتها عام 2018،

وكلها بانتظار أن تجد حظها من النشر، إضافة إلى قصة فازت بجائزة المركز الفرنسي بالسودان سوف تطبع وتترجم للفرنسية قريباً.

أعمال الطيب مفيدة وجميلة

حرصت الطيب على تقديم المفيد والجميل لأدب وثقافة الأطفال مثل: « الكنز الخالد»، و«راعية الأغنام»، و«الأميرة بائعة الورد»، و«دعوة الأسد»، و«حبل الأمان» و«غابة السلام» و«موعد مع الرزق»، و«عودة الأمير» و«جزيرة العفريت»، و«الثعلب الغدار».

«المادة» هي العدو الشرس للكاتب فهو يصارع في عدة جبهات
back to top