لولوة المنصوري: الرواية الإماراتية تجاوزت الركود الزمني

«فتحت أبواب رؤية أبعد من قضايا التأزم العربي وفق تجليات فلسفية عميقة»

نشر في 08-09-2020
آخر تحديث 08-09-2020 | 00:04
لولوة المنصوري روائية وقاصّة وصحافية وواحدة من الأسماء الأدبية الشابة المؤثرة في المشهد الثقافي والأدبي في الإمارات حالياً. تنحاز إلى الكتابة الهادفة التى تجمل الحياة، وتنتصر للمهمشين، وترتقي بالنفس البشرية.
وترى لولوة أن الكاتب الحقيقي ينشد الخير والجمال ومنصف للروح، وفي حوارها مع "الجريدة" من القاهرة، قالت إن الكتابة التي تتنافى مع الفطرة ليست كتابة، مضيفة أن الإبداع يكتب للنشر لا للتخزين في الأدراج، "وأن عملية الإنتاج والخلق لا تفيض إلا لحاجة باطنية فينا حتى نُعرف ونُقدّر ونُشكر على أننا أتينا إلى هذا العالم وفينا بذرة الاكتشاف والتخلَق، وأن القادم أجمل".
وأكدت أن المشهد الأدبي والثقافي في الإمارات يعيش حالة من الازدهار، والتجدد في ظل المساحة الحرّة المتاحة للكاتب، موضحة أن المبدع الحقيقي لا يلتفت إلى الجوائز إذ يعد عالمه الكتابي الجائزة الحقيقية... وفيما يلي التفاصيل:
● ما المكونات والمؤثرات الأولى في تشكيل وجدانك الأدبي؟

- المكونات الأولى تبدأ من بيئة الرّحم، حيث الموطن الأول الأكثر حميمية واتساعاً ورحمة، وأمي هي بيئتي الأولى التي جسّرت لي نغمة التواصل على الممر الروحيّ نحو هذا العالم، ثم تشكّل طالعي وفألي في الحياة الماديّة منذ ساعة الولادة، عابرة في رحلة النموّ والتشكّل على هذا السّهل العظيم، إننا نسكن في السهل الذي يتسع على ضفة بحر الخليج العربي، في البقاع السهلية الفاصلة ما بين الجبل والبحر، نلحظ في أول بوادر الشتاء تحليق المهاجرين من النوارس وأسراب السنونو في شعاع الساعات الأولى من الصباح، ورغم أن بيوتنا السهلية الجديدة ابتعدت قليلاً عن سواحل البحر واقتربت من حضن الجبال أكثر فإن النوارس تترك الشواطئ الزاخرة بالدفء والغذاء، وتشق الفضاء الفسيح مسافات ومسافات، لتأتي محملة بالسلام والشوق لأهل هذه البلاد، وهكذا أستطيع أن أرسم لك مشهداً واحداً من بيئتي، بيئة أصيلة بجغرافيا متنوعة، ثم إن هناك حكايات وبطولات وأخبارا في الأودية والسيول والكهوف والجدران والشقوق ونقوش الحجر والفناءات المجهولة، كلها بمنزلة الروافد المتدفقة لوريد الراحة والتدفق، تسبح بافتتان عجيب في مجرة النصوص.

الرواية الإماراتية

● هل نجحت الرواية الإماراتية في التعبير عن أزمات المجتمع؟

- نحجت وبذكاء، ورغم أن التجريب في بدايته فإن هناك روايات مبشرة جداً عالجت قضايا الإنسان، وفتحت أبواباً رؤيوية أبعد من قضايا التأزم العربي، وفق تجليات فلسفية عميقة، مستحضرة التاريخ الاجتماعي كعبرة، أو مستشرفة المستقبل كتنبؤ، أو متجذرة في مفاصل اللحظة كدلالة باطنية على التحوّل والخروج من "الخادرة" والركود الزمني والنماذج كثيرة لمن أراد استنطاق بيوغرافيا الرواية الاماراتية بتأمل ونظرة عميقة.

السحر الأنثوي

● برأيك هل المرأة العربية يجب أن تكون حياتها كتابا مفتوحا وهل تستطيع أن تبوح بكل شيء أم أن هناك خطوطا حمراء؟

- المرأة بشكل عام، ولا يقتصر الأمر على التخصيص العربي، ساحرة في كينونتها السريّة، والاندلاق المُسرف لعظمة التصادم أو التصنع في حركتها الاحتجاجية سيطفئ شيئاً ما من حيويتها الحقيقية كأنثى، نحن نطالب بالحق ولكن بإبداع وحيلة، دون أن نحطم أسوار اللغز الألوهيّ الكامن فينا، سيكون ذلك بـ"السحر الأنثوي" الكنز المخفي الكفيل بإحداث انقلاب فكري وروحي في حياتنا نحن النساء، ذلك الاحساس الداخلي الذي يهيم بالغموض، غريزي وعميق وشديد القرب إلى عملية خلق الحياة، والذي دعت إليه "سيمون ديبفوار" بقوة، حيث لا بد من إعادة تشكيل كامل للصورة الثقافية للأنوثة بما يسمح للمرأة بالوصول إلى النضوج واكتمال الذات.

● حصدت العديد من الجوائز في القصة والرواية هل كان سعيا إلى إثبات اسمك عبر تلك الجوائز، وما الذي أضافته إليك كمبدعة؟

- صحيح أن الكاتب والمبدع الحقيقي لا يلتفت إلى الجوائز حيث أن عالمه الكتابي هو الجائزة الحقيقة، لكننا لا يمكننا أن نكون مثاليين جداً عندما ننأى بحاجتنا الإنسانية اللاشعورية للحافز الخارج من الذات، في بلدتي البعيدة نسبياً عن الحراك الثقافي، كنتُ كأي كاتبة مبتدئة في حالة بحث متواصل عن حقل صحي يحتضن مشواري، وحبوي الأول على السطور الفارغة المغرية بالتدفق والغزارة، وكان درب الجائزة الضفة الآمنة الوحيدة للخروج من المصادفة وليتعرف القارئ على "لولوة" إن عملية الكتابة والتخزين في الأدراج ليست بأمر صحيّ منصف للروح المتطلعة للنموّ، يكاد أن يتنافى مع فطرة الخلق والإبداع، وأعتقد أن عملية الانتاج والخلق لا تفيض إلا لحاجة باطنية فينا إلى أن نُعرف ونُقدّر ونُشكر على أننا أتينا إلى هذا العالم وفينا بذرة الاكتشاف والتخلَق، ثم التشجّر نحو الهواء والضوء والماء، لتحصيل الثناء، إن عملية سقي الشجرة هي الثناء والشكر المقدّم لها، لتتبارك أكثر وتنعم بحب ذاتها.

عوالم سردية

● من يقرأ إبداعاتك الروائية والقصصية يشعر بوجود الكثير من الهوامش المتداخلة بين الذاتي والواقعي والمتخيل الروائي... كيف حققت تلك المعادلة الفنية للسرد، والتي غلب عليها الأسلوب الساخر؟

- هي عناصر كتابية تتضافر بجهد طبيعي غير مدروس، تحصيل المعادلة يتأتى وفق انطلاق حرّ في السرد واستجابة لنداء الرّوح، أحياناً تميل النّفس منذ العتبة إلى التزهّر في عوالم سردية متخيّلة أو الاندماج بغيمة الدلالة، وأحياناً أخرى تميل إلى مباغتة المجهول والسؤال فيه عبر البحث والاشتغال على أرضية واقعية. من يقول إنه يوازن ويعادل بين العناصر ويهندس الكتابة السردية فهو بلا شك واقع تحت تأثير التفكير المؤطّر والمُقلّد والمحزوم بالقواعد الجامدة.

جوهر الأديب

● البعض يرى العمل الصحافي عائقا أمام المبدع، وآخرون يرونه إضافة وزادا معرفيا وثقافيا لما فيه من التصاق بالواقع المعيشي... ماذا أضافت الصحافة إلى إبداعكم القصصي وماذا أخذت منكم؟

- العمل في الحقل الصحافي لا ضير فيه، والاشتغال سيتلامس بشكل جذري مع حس الكلمة واللغة والصياغة والتحرير، وستنفتح أمام الأديب آفاق جديدة ومكاسب معرفية عالية، وخصوصاً إن كان العمل في قسم الثقافة لكن المسألة هنا متعلقة بالالتزام برؤية محددة وتوقيت وأفق توجيهي محدد لا يتعارض مع سياسة الصحيفة التي يعمل فيها الأديب. ومسألة التوجيه والالتزام قد لا تتلامس مع روح وخيال المبدع وتطلعاته الفكرية وجموحه الدائب في البحث في الأسرار والسهو والغفلة والمسكوت عنه، لأن روحه ليست عالقة، بل في انعتاق وسباحة دائمة خارج أسوار الفكر المستهلك. ومن الأرجح أن ينطوي الأمر على جوهر الأديب، فهناك من ليست لديه أية مشكلة مع الأطر التوجيهية.

وبالنسبة إلي تقلقني مسألة الالتزام والإذعان للتحديد والتأطير، وأحب أن أكتب ببصمتي الخاصة والتقاط الزوايا التي تشبهني لأسلط الضوء عليها بكينونتي وأسلوبي، ودون أن تشوشني أفكار موعد تسليم المواد وكنت قد جربت العمل الصحافي والاشتغال على التحقيقات الصحافية قبل 10 سنوات، وكان اهتمامي وقتذاك منصباً على التحقيقات الصحافية في الجانب الاجتماعي والأسري المندمج مع تحصيلي لدبلوم الإعلام الاجتماعي، إلى أن شعرتُ بالتشبّع من تلك المرحلة والرغبة في الانتقال إلى دورة حياة جديدة، فانطلقتُ في البحوث الأدبية، وبعض الأبحاث الأنثربولوجية المنسجمة مع تخصصي في الأدب العربي، والتراث الثقافي، وأتاح لي الملحق الثقافي في جريدة "الاتحاد" فرصة الانطلاق والنشر عبر صفحاته.

كائنات أسطورية

● أعمالك الكثيرة كيف تصفين هذه الرحلة الإبداعية معها هل هي ممتعة؟

- رحلة تجريب حيوات متعددة، شخصيات عبرت الزمن وتواصلت معي روحياً وأحببتُ إعادة إحيائها ومنحها صلة بي أكثر وثوقية، وإن بدت وكأنها كائنات خرافية أسطورية فسيفسائية، إلا أنها استفزت أقصى حالات الألم الفكري.

● ماذا عن مشاريعك المستقبلية؟

- أكتفي بالقراءة والتأمل في الوقت الراهن والبحث في الأسرار اللغوية والوجودية وربما قد تكون لي مجموعة قصصية أعددتها منذ عام، قبل أحداث الوباء وربما أتراجع عن طباعتها.

إصدارات وأعمال إبداعية

صدر للأديبة لولوة المنصوري العديد من الأعمال الإبداعية منها: رواية "آخر نساء لنجة"، عن دائرة الثقافة والإعلام بالشارقة، ورواية "خرجنا من ضلع جبل" الفائزة بجائزة الإمارات للرواية، فضلاً عن "قوس الرمل" عن دار العين للنشر، والمجموعة القصصية "قبر تحت رأسي" التي حصدت جائزة الشارقة للإبداع العربي، ولها أيضاً مجموعة قصصية بعنوان "القرية التي تنام في جيبي" والتي نالت جائزة مجلة دبي الثقافية، و"ظلام أبيض عميق جداً".

لا ضير في العمل بالحقل الصحافي لتلامسه مع حس الكلمة واللغة

المرأة بشكل عام ساحرة في كينونتها السرّية
back to top