مغامرة رجب طيب إردوغان لشق صف حلف شمال الأطلسي

نشر في 04-09-2020
آخر تحديث 04-09-2020 | 00:00
البحرية التركية سلاح أنقرة لتفريق دول «الأطلسي»
البحرية التركية سلاح أنقرة لتفريق دول «الأطلسي»
يحاول الرئيس التركي رجب طيب إردوغان الذي يواجه مجموعة من المشاكل تشمل الأعباء المالية الحادة القيام بخطوات نشطة وتوسعية في ميدان السياسة الخارجية بهدف تعزيز قاعدة تأييده عن طريق إذكاء النزعة القومية.

وقد تحول الاحتفال بالذكرى السنوية للانتصار السلجوقي على الجيوش البيزنطية في عام 1071 إلى عرض للنزعة القومية التي تشير إلى حاجة الرئيس إردوغان المتزايدة الى تعزيز قاعدة تأييده عبر سياسة خارجية توسعية، وتمكن السلجوقيون وهم أسلاف العثمانيين من دحر القوات اليونانية في الإمبراطورية البيزنطية، وهو انتصار يتم الاحتفال به في تركيا على اعتباره بداية التتريك التدريجي للأناضول، ولكن الاحتفال في هذه السنة كان مختلفاً، وقد تميز بتعابير وشعارات شوفينية وطنية.

وتوجه إردوغان ترافقه زوجته وحليفه زعيم حزب الحركة الوطنية دولت بهشلي الى ساحة الاحتفال في السادس والعشرين من الشهر الماضي لإلقاء كلمة تزخر بعبارات التهديد لليونان وسط توترات حادة في شرق البحر الأبيض المتوسط.

وإضافة الى ذلك الخطاب كانت رسائل إردوغان عبر "تويتر" مفعمة بالنزعة القتالية أيضاً كما تضمنت الإشارة الى فكرة "التفاحة الحمراء" التي تعتبر الرمز الأكثر أهمية للقومية التركية والتي تهدف أيضاً الى توحيد الأتراك في شتى أنحاء الأرض بغية تحقيق التفوق العالمي، وتوجد تلك الفكرة في صلب النزعة التوسعية التركية على أي حال.

وكان استخدام إردوغان لتلك الاستعارة يمكن أن يعتبر إشارة عرضية لولا أن مدير الاتصالات التركي كررها أيضاً، وكتب المدير على "تويتر" يقول في مناسبة الذكرى المشار اليها "إن التفاحة الحمراء تعني بالنسبة الينا تركيا القوية والعظيمة، وهي المسيرة المقدسة لأمتنا التي صنعت تاريخنا والتي كانت الإنسانية كلها تتطلع اليها من جبل طارق الى أرض الحجاز ومن البلقان الى آسيا".

تمجيد فكرة التفاحة الحمراء

وإضافة الى ذلك فإن مقطع الفيديو الذي نشرته مديرية الاتصالات التركية في تلك المناسبة تضمن تمجيداً أيضاً بفكرة التفاحة الحمراء، وأبرز مجموعة من صور الكعبة في مكة والمسجد الأقصى في القدس، كما يبرز طبيعة الاتجاه الحالي للنظام في تركيا والذي يطرح الفكرة القومية المتطرفة في قالب إسلامي.

وتجدر الإشارة الى أن القومية في تركيا لم تكن متمحورة حول الإسلام بصورة حصرية قط كما أن السمات القومية للحكومات التركية المتعاقبة قبل حزب العدالة والتنمية الحاكم اليوم كانت تضم شخصيات علمانية، وفي عام 2020 يمكن تعريف نظام حكم إردوغان المطلق باشتماله على عناصر قومية تركية ذات توجه إسلامي، ويتعارض ذلك مع وصف وسائل الإعلام الغربية لإردوغان بأنه إسلامي.

توترات البحر الأبيض المتوسط

من جهة أخرى، تمثل التوترات المتصاعدة في شرق البحر الأبيض المتوسط انعكاساً لتلك العقيدة، ويجمع إردوغان بين طموحاته في منطقة الشرق الأوسط وبين مبدأ الوطن الأزرق، وهي فكرة أطلقها ضباط البحرية من العلمانيين السابقين في عام 2006.

وكان إردوغان استعار المبدأ من النخبة العسكرية العلمانية التي تصف نفسها بـ"اليوراسية" وتشتهر بعدائها لحلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي، كما تدعو الى أخذ تركيا مكانها في محور جديد يتكون مع روسيا والصين، وكانت الاتفاقية البحرية المثيرة للجدل التي وقعتها أنقرة في شهر نوفمبر الماضي مع حكومة طرابلس في ليبيا الخطوة الأولى نحو تنفيذ فكرة الوطن الأزرق.

وبالنسبة الى دعاة تلك الفكرة لا يوجد الكثير مما يمكن التحدث عنه مع الحكومة اليونانية، وفي نهاية المطاف يتمحور الأمر حول الجوانب الجيوسياسية والسيادة في شرق البحر الأبيض المتوسط، ويقول الجنرال التركي المتقاعد إسماعيل حقي بيكن إن الصدام مع اليونان مسألة حتمية "لأن تركيا في حاجة الى اثبات قوتها ولأن من المستحيل التوصل الى اتفاق مع أثينا على طاولة المفاوضات".

وقد تبنى إردوغان بصورة تدريجية نظرة مماثلة كما انتهز فرصة الاحتفال المشار اليه لشجب مواقف الحكومة اليونانية، مشيراً الى أن أثينا فشلت "في استيعاب دروس التاريخ ونحن أصحاب الأرض ولسنا أوصياء عليها"، ومضى إردوغان الى حد اتهام اليونان بالبلطجة في بحر إيجة.

ثم عبر عن نبرة مماثلة في شجبه للانتقادات التي وجهها الاتحاد الأوروبي الى تركيا بسبب تصرفاتها في شرق البحر الأبيض المتوسط إضافة الى دعم البعض من دول الاتحاد لأثينا، وبعد أن اتهم التكتل الأوروبي بالنفاق قال "ما من أحد في العالم اليوم يعتبر الاتحاد الأوروبي على شكل وحدة قيم ومبادئ".

دور الاتحاد الأوروبي

ولكن المفارقة هي أن الاتحاد الأوروبي هو الوسيط الوحيد في النزاع المتفاقم في شرق البحر الأبيض المتوسط، وفي حقيقة الأمر شرع وزير خارجية ألمانيا هيكو ماس في الآونة الأخيرة في جهود دبلوماسية مكوكية تهدف الى تخفيف التوتر في تلك المنطقة.

وكان ماس قال في خطاب له في العاصمة اليونانية أثينا في الخامس والعشرين من شهر أغسطس الماضي إن "الوضع الراهن في شرق البحر الأبيض المتوسط يماثل اللعب بالنار في ضوء ما يجري هناك". وحذر الوزير الألماني في الوقت نفسه من أن "كل شرارة صغيرة يمكن أن تؤدي الى كارثة".

في غضون ذلك، يبدو أن ماس لم يحقق الكثير من زيارته الى أثينا وأنقرة وذلك لأن طرفي النزاع يواصلان تصعيد حملات العداء عن طريق المناورات العسكرية في المياه المتنازع عليها بصورة مستمرة ومثيرة للقلق.

أوضاع المنطقة

وفي حقيقة الأمر، يمكن وصف الأوضاع في المنطقة بالمتفجرة ويظهر ذلك بجلاء مشاركة فرنسا في المناورات البحرية التي جرت في الفترة ما بين السادس والعشرين والثامن والعشرين من شهر أغسطس الماضي من قبل القوات اليونانية والقبرصية والايطالية، وبدورها قامت تركيا بمناورات عسكرية وتستمر في عمليات الاستكشاف في المنطقة.

وعلى أي حال، تجدر الاشارة الى أن أي صدام بين السفن الحربية التركية والقوات البحرية اليونانية والفرنسية قد يعني نهاية حلف شمال الأطلسي وذلك نظراً لأن كل تلك الدول تنتمي الى ذلك الحلف.

في غضون ذلك، يتعين ألا يكون ذلك مفاجئاً بالنسبة الى الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الذي قال في تصريح في الآونة الأخيرة إن "ما نواجهه في الواقع في الفترة الراهنة هو الموت الدماغي لحلف شمال الأطلسي".

وربما كان اللافت أن تركيا تزداد عزلة بعد عملياتها في شرق البحر الأبيض المتوسط، كما أنه في غياب الردع الداخلي أو ما يمكن وصفها بالمعارضة القوية في تركيا قد لا يهتم الرئيس إردوغان كثيراً لتبعات تصرفاته وذلك نظراً لأن تركيزه ينصب بشكل رئيس في الوقت الراهن على تحقيق مكاسب داخلية، وهو يشعر بأنه عن طريق إثارة النزعة القومية التركية ضد اليونان– كما كانت الحال مع العداء للأكراد– قد يتمتع بثقة كافية من أجل حشد شريحة كبيرة من الشعب حول قيادته، وعندما يتعلق الأمر بالجوانب القومية تتعرض المعارضة في تركيا الى القمع أو التحييد.

العزلة الدبلوماسية الدولية

جدير بالذكر أن العزلة الدبلوماسية الدولية لا تستطيع ردع إردوغان أيضاً، وقال في كلمة له في الشهر الماضي إن "تركيا المحاصرة تصبح خطرة وترغب أنقرة في تلقي ضربات اقتصادية كبيرة وخسائر دبلوماسية والتضحية بوجودها في سبيل تحولها الى قوة اقليمية عظمى"، والأكثر من ذلك، يتعين علينا ألا ننسى أبداً أن التوسع والنزعة القومية النشطة يمثلان المسار النموذجي للسياسة الخارجية لأي نظام مطلق عندما يتعرض الى مواجهة وخاصة على الصعيد الداخلي، ويحكم تركيا اليوم رئيس يلعب بالنار ويمكن أن يطلق بسرعة شرارة تشعل حريقاً إقليمياً بسبب تطورات شرق البحر الأبيض المتوسط.

● جنكيز كاندار

back to top