سعاد العنزي: استعراض الأدوات اللغوية على القارئ ليس هدفي

«عدّلت كثيراً من أسلوبي وأصبح يعبّر عن ثقافة العصر»

نشر في 03-09-2020
آخر تحديث 03-09-2020 | 00:03
المتابع لمسيرة الناقدة الأدبية سعاد العنزي يدرك شمولية رؤيتها النقدية، واستيعابها لتحولات المشهد الثقافي العربي، فهي واحدة من أبناء جيل الكويتيات اللاتي يتمتّعن بمكانة مميزة بين الناقدات الأهمّ في الأدب العربي، ولا تنتمي العنزي إلى مدرسة أدبية محددة، ولا تحبّ التصنيف.
وفي حوارها لـ "الجريدة" قالت: لا أحب تصنيف نفسي ضمن اتجاه معيّن، ومدرسة نقدية بعينها، وأنا كما يقول ميشيل فوكو: "لا أرى أنه من الضروري أن أعلم بالضبط مَن أنا، والاهتمام الأساسي في الحياة، والعمل أن تكون شخصاً آخر عمّا كنت عليه في البداية".
وترى العنزي أن الأدب يجرّب في اتجاهات متعدّدة، ويقف مع الحقيقة ومعاناة المقهورين، ويحاول أن يضفي فهماً مختلفاً للحياة الإنسانية، فلا هو في كلّه وليد الواقع، ولا هو موقف ذات تجاه الواقع، بل هو تصوير لرؤية الذات لقضايا متعددة تتعلّق بالفرد والمجتمع والوجود بشكل عام. وفيما يلي تفاصيل الحوار:
● ما منطلقاتك في الكتابة، خاصة أن لغة البحث العلمي لها تأثير واضح على نتاج أعمالك المتنوعة بين الخطاب البلاغي والنقدي القديم منه والحديث؟

- بالطبع لغة البحث الأكاديمي لها تأثير عليّ وعلى كل أكاديمي، ولا أستطيع أن أجزم بأنني متأثرة بلغة الخطاب البلاغي القديم، بل أنطلق مما وصلت إليه اللغة العربية المعاصرة من تطورات، وعدلت كثيرا من الأسلوب اللغوي، وأصبح يعبّر عن ثقافة وأسلوب العصر، وبالنسبة لأسلوبي هو أسلوب بسيط يتوخّى بلاغة الوضوح والمباشرة، وليس هدفي استعراض أدواتي اللغوية على القارئ، بل هدفي إيصال أفكاري بأسلوب لغوي سليم مؤثر، وبالتأكيد ستتضح في لغتي مصطلحات البحث الأدبي حسب الموضوع المطروح، والتي يفترض أن القارئ الأديب، والمثقف على قدر من الاطلاع بها.

أصوات إنسانية

● ما الأسماء التي تتوقفين أمامها باستمرار؟

- كثر حقيقة ويصعب حصرهم، لكن من الممكن القول إنني مهتمة بعدد من الأسماء في الكويت: ليلى العثمان، وسليمان الشطي، وإسماعيل فهد إسماعيل، وطالب الرفاعي، ونجمة إدريس، وعربيا: واسيني الأعرج، وأمير تاج السر، وجبرا إبراهيم جبرا، وفادية فقير، ونوال سعداوي، وفاطمة المرنيسي، وأحب الأصوات الصادقة، والحقيقية، والبسيطة ذات النزعة الإنسانية، والتي تجدد بخطابها، وهذا ما وجدته عند كثير من الأسماء التي ذكرت بعضا منها هنا.

الصمت النقدي

● النقد الأدبي... إلى أين يتجه؟ وهل الوفاق بين أفراد الجماعات الأدبية يؤدي إلى إنتاج نقدي متطور؟

- لا أستطيع إنكار أن هناك أسماء نقدية مهمة في الوطن العربي قدّمت بشكل فردي جهودا نقدية لافتة من شأنها أن تغيّر مسار النقد الأدبي العربي لو قدّر لها أن تكثف، وتتواتر بشكل كبير، فمشكلة الناقد العربي الجيد يعمل بصمت، ولا يدعم من الأدباء، ولا النقاد إلا باستثناءات قليلة وقلة النقاد وعدم تشجيع النقد الجاد، والكم الهائل من الإصدارات الأدبية يجعل الناقد العربي يقف حائرا: هل يعيد قراءة إنتاج الماضي؟، أم هل يعيد قراءة ما تم إنجازه حول مشروع أدبي ليراجع، ويقيم، ويفهم ما وصلت إليه حركة النقد في مجال ما؟، أم هل يكتب عن تجارب تركت ولا تزال تترك في طيّ النسيان، وتسدل عليها ستائر الإهمال واللامبالاة؟

وهل سيتجرأ ويقدّم رؤية جديدة جريئة أمام مجموعة من الشلليات الثقافية والأدبية التي لا تطور من نفسها، ولا تريد أن تدع أحدا يتقدّم إلى الأمام؟

سلطة الجوائز

● كيف تصفين المشهد الثقافي العربي الراهن، وهل هو بالفعل في حالة غياب؟

- من الممكن اختصار بعض إشكالياته: إنه لا يواكب الإنتاج الأدبي لكثرته، ومتمركز حول المناهج البنيوية السيميائية، وقليل منه يتجه نحو النظريات ما بعد الحداثية في الأدب والنقد، أدباء يلهثون وراء الجوائز، لدرجة أن المبتدئين يرسلون لي: اقرئي هذا النص، هل ينفع لجائزة أم لا؟، لا أبالغ إن قلت إن الكثير أصبح يكتب من أجل جائزة، سواء كان أديبا محترفا جيدا، أو مبتدئا، أما النقاد فهم قد وصلوا إلى أرضية مشتركة من الفهم العام، ولا يريدون أن يختلفوا ولو قليلا، يستمرون في تصدير ذات الرؤية إلى الأدب، على الرغم من أن النص الأدبي متحول ورؤيته الجمالية متحولة من بعد طروحات "فرويد"، و"لاكان"، وفلاسفة ما بعد الحداثة، يتم اختبارات كثيرة للشخصية الإنسانية، والرؤى، والتصورات للمكان، والزمان، والهوية، وكل معالم الوجود، فكيف الناقد العربي يصرّ اليوم على استهلاك مناهج قديمة لم تعد صالحة لزماننا، إضافة إلى خضوع النقاد لسلطة، وسياسية الجائزة التي يشاركون في تحكيمها، كما أنهم يرفعون أسماء ثقافية إلى مراتب ليست لها، لأنهم يجاملون المؤسسة الثقافية التي ينتسب لها بعض الأدباء أحيانا، أرى الناقد العربي يحاول جاهدا ومنهكا يبحث عن بصيص ضوء في أدب متواضع، يقوم بهذا الدور بكل خجل وتواضع، أما القراء فهم في مجملهم القراء الهواة، الذين يسلّمون عقولهم وذائقتهم إلى لجنة تحكيم جائزة مرموقة، ووحدهم الجادون يبتعدون عن هذه العملية التسويقية المخجلة.

اشتباكية أدبية

● هل ترين أن النقد مكمل للإبداع، أم أن العلاقة بينهما لم تكتمل حتى الآن؟

- لا يفترض أن الأدب مكمل للنقد، ولا أن النقد مكمل للأدب، ليس هناك فرع أعلى وآخر أدنى، بل التعبير الأنسب أن العلاقة متكاملة بينهما، فالعلاقة موجودة بينهما منذ القدم، وفي الغرب أخرج النقاد إمكانات هائلة من النصوص الأدبية، مثل ما تم تلقي العديد من الأعمال الإبداعية، والأسماء الثقافية المهمة: شكسبير، وفرجينيا وولف، وفرانز كافكا، وغيرهم.

ولدينا في الوطن العربي تكامل، وجهود نقدية مهمة لا نستطيع إنكارها، ولكن مناطق القصور كبيرة، وهناك خلل كبير يتعلّق بفهم طبيعة النقد، ودور الناقد، مثلا يظن الأدباء أن النقاد خلقوا لقراءة أعمالهم، والسهر على معانيهم الشاردة، والبحث في تجلياتهم الإبداعية بالمقابل، يبحث النقاد عن رؤى يستطيعون من خلالها تطبيق رؤاهم من دون أن يجدوا الكثير منها، إلى غيره من المشاكل المتعددة التي تخص هذه العلاقة المشتبكة بالنقد والأدب.

أدب الهواة

● تهتمين بالتجارب الإبداعية الأولى للشباب، وأطلقت على كتاباتهم مصطلح "أدب الهواة"، وحددت له سماته، نودّ إلقاء الضوء على هذا النوع من الأدب؟

- أقصد بأدب الهواة أدب الكتّاب الذين لا يملكون الأدوات الإبداعية الكافية، ولا القاعدة الفكرية العميقة التي تؤهلهم للدخول بمعترك الكتابة، ولا يقتنعون بتواضع موهبتهم، ويبقون يجرّبون، ويصرون على أنهم سيتعلمون، ولكن من دون أن يتقدموا خطوة واحدة للأمام، ومن المؤسف أنهم يصدرون عملا واحدا متواضعا في إمكاناته، ويحسبون أنفسهم على المشهد الثقافي، ويخوضون في بعض المعارك كصانعي صراع من دون أن يصنعوا الفعل الإبداعي المؤثر.

● ماذا عن توجهك النقدي؟

- أنا لا أحب تصنيف نفسي ضمن اتجاه معيّن، ومدرسة نقدية بعينها، وأنا كما يقول ميشيل فوكو في إحدى مقابلاته: "أنا لا أرى أنه من الضروري أن أعلم بالضبط من أنا، الاهتمام الأساسي في الحياة، والعمل أن تكون شخصا آخر عمّا كنت عليه في البداية". وبالنسبة لي، أحببت فهم الحداثة، وما بعدها، وها أنا أتعمّق في كل مرة بمجال ما، وأتابع تطوّر نقدي في منطقة أخرى، وقد اخترت هذا النهج لعدد من الأسباب أهمها أنني لا أحب أن أحصر نفسي في إطار محدد، ثانيها اطلاعي على إبداع شرائح متعددة، مما يدل على أنني لن أطالع كل المنتجات الأدبية بنفس الآلية، والنظرية، والمنهج، فهناك أعمال لا يمكن أن نقرأها إلا وفق نظرية ورؤية محددة.

إدوارد سعيد

● برأيك، هل الأدب وليد الواقع الذى يعكسه الإنسان ويعبّر عنه، أم أن الأدب دلالة على موقف الإنسان وانعكاس لذاته تجاه الواقع؟

- لقد دعا إدوارد سعيد في مواضع عديدة من مؤلفاته لمصطلح "الدنيوية"، مثل ما ذكره في كتابه "الثقافة والإمبريالية"، وهي بتبسيط شديد أن ينتمي المؤلف للظروف والوقائع التي شكّلت تاريخ المجتمع، ليس إلى تاريخ اقتصادي، ولا أيديولوجيا أو طبقة معيّنة، بل عليهم أن يكونوا أبناء زمانهم والشروط والظروف التي صنعتهم. وهنا يذهب سعيد إلى رفض كل ما هو مصنوع بشكل قبلي مسبق، مثل الأحزاب والرؤى الأيديولوجية، والتاريخ المصنوع بحركة الاقتصاد، لأن يكون الفرد ابن التجربة الزمانية المعيشية بكل ظروفها واملاءاتها.

ومن الصعب جدا أن نجزم أن الأدب وليد رؤية محددة للحياة، ودور يتيم للكتابة الأدبية، الأدب يجرب في اتجاهات متعددة، يقف مع الحقيقة ومعاناة المقهورين، ويحاول أن يضفي فهما مختلفا للحياة الإنسانية، فلا هو في كله وليد الواقع، ولا أنه موقف ذات تجاه الواقع، بل هو تصوير لرؤية الذات لقضايا متعددة تتعلق بالفرد والمجتمع والوجود بشكل عام.

● بالبحث عن التراث الكويتي بين عوالمك.. أين نجده فيما قدمت؟

- كل ما قدمت من قراءات ودراسات ونشاطات هي تتعلق بالمدونة الثقافية متعددة الأطراف في الوطن العربي، من قراءات لأعمال إبداعية كويتية انطلقت من الماضي، مثل أعمال ليلى العثمان، وسليمان الشطي، كما حاولت قراءة هذا التراث بعين نقدية متسائلة ومازلت أحاول نقل هذه الرؤية النقدية في مقالاتي ومحاضراتي.

إصدارات ومؤتمرات

صدر للدكتورة سعاد العنزي العديد من المؤلفات المهمة منها: "صور العنف السياسي في الرواية الجزائرية المعاصرة"، "رواية المرأة الكويتية في الألفية الثالثة"، "الهوية العربية بين التخييل والواقع"، ولها عدد من البحوث المنشورة في كثير من الدوريات العربية، ولها مشاركات بارزة في الفعاليات والمؤتمرات والندوات الثقافية والعلمية، وتحمل عضوية عدد من اللجان العلمية، وتشارك في تحكيم الجوائز والمسابقات الأدبية المرموقة.

وهي عضو هيئة التدريس في قسم اللغة العربية جامعة الكويت، وعضو تحرير سلسلة "إبداعات عالمية" التابعة لإصدارات المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب.

النقاد يُخرجون من النصوص الأدبية إمكانات هائلة

إدوارد سعيد دعا في مواضع عديدة من مؤلفاته إلى مصطلح «الدنيوية»
back to top