مظاهر الموت والإنكار تعمّ تركمانستان!

نشر في 30-08-2020
آخر تحديث 30-08-2020 | 00:00
 ذي دبلومات نادراً ما تغطّي وسائل الإعلام الدولية أخبار تركمانستان بعمق، هذه الدولة الواقعة في آسيا الوسطى هي وكوريا الشمالية فقط لا يحتسبان رسمياً الإصابات بفيروس كورونا الجديد في القارة الأوراسية. حين بدأت الدول الأخرى في المنطقة بتسجيل الحالات الأولى، تجنبت العاصمة عشق أباد مناقشة موضوع الوباء بالتفصيل، وحين ذكرته الحكومة اعتبرته مشكلة خارجية.

في بداية انتشار الوباء، اتخذت حكومة تركمانستان تدابير تهدف إلى منع دخول الفيروس إلى البلد، وتم تعليق الرحلات من البلدان التي سجّلت حالات مؤكدة، ثم تحوّلت جميع الرحلات القادمة في بداية مارس نحو مدينة تركمان أباد، على بُعد مئات الكيلومترات من العاصمة عشق أباد، وفي نهاية مارس علّقت تركمانستان جميع الرحلات الدولية.

أدت هذه التدابير إلى تشريد عدد كبير من التركمان حول العالم، فواجهوا حقيقة الوباء أينما وجدوا في ظل إغلاق الحدود ومنعهم من العودة إلى وطنهم الآمن من الفيروس كما كانت الحكومة تزعم حتى تلك المرحلة. خلال الأشهر الأولى، بين فبراير ويونيو، فرضت السلطات التركمانية غرامات على مستخدمي الأقنعة لأنها اعتبرت ارتداءها في الأماكن العامة "محاولة لنشر الهلع"، وحين وصل فريق من منظمة الصحة العالمية إلى البلد في بداية يوليو الماضي، بعد أشهر من التأخير، أوصى الحكومة بالتحرك سريعاً وكأن فيروس "كوفيد-19" بدأ ينتشر للتو.

واعتباراً من بداية يوليو أصبحت الأقنعة إلزامية طوال الوقت، حتى أثناء قيادة السيارة، مما يعطي الشرطة سبباً آخر لإيقاف الناس وأخذ المال منهم.

تلقى المواطنون تنبيهاً على هواتفهم الخليوية من الحكومة لإبلاغهم بالقرار المستجد حول استعمال الأقنعة وضرورة ملازمة المنزل والحفاظ على التباعد الاجتماعي، لكن السبب المعلن تعلّق بانتشار الغبار! نشأت مشاكل عدة نتيجة موقف الحكومة المبهم وغير المتماسك من طبيعة الوباء وحقيقة التهديد الذي يطرحه، أبرزها عدم استعداد الناس لتغيير سلوكهم، حيث يظن الكثيرون حتى الآن أن البلد يخلو من الفيروس، فلا يهتمون بالموضوع ويتابعون تنظيم الأعراس على اعتبار أن الوضع آمن كما تقول الحكومة، ويزيد الوضع تعقيداً بسبب المعايير الثقافية السائدة في تركمانستان: جنازات وأعراس كبرى وواجبات اجتماعية مكثفة.

وبما أن الحكومة حذرت الناس من الغبار بكل بساطة، فإن التركمان اضطروا لاكتشاف حقيقة ما يحصل والتصرف بناءً على الوضع القائم وحدهم، ففي الأسواق الخارجية يضع جميع الناس تقريباً الأقنعة على وجوههم اليوم لكنّ الحشود تبقى كبيرة ومتراصة. ينجم تخبّط تركمانستان في تعاملها مع فيروس "كوفيد-19" عن إصرار الحكومة على إنكار انتشار الوباء في البلد، لكنّ عشق أباد ليست المسؤولة الوحيدة عما يحصل، إذ يقول مراسلون مستقلون إن العدوى انتشرت على نطاق واسع وترتفع حالات الوفاة للأسف، لكنّ هذه الكارثة لا تشتق حصراً من نظام الحكم المحلي الغريب.

أدى غياب التجاوب مع وباء "كوفيد-19" من جانب حكومة تركمانستان إلى اندلاع احتجاجات غير مسبوقة خارج البلد، وهذا ما شجّع التركمان على البحث عن منصات لرفع الصوت.

هذا الأسبوع، تجمّع التركمان في نيويورك احتجاجاً على الوضع، وفي أواخر يوليو الماضي نُظّمت حركة احتجاجية بالقرب من مقر الكونغرس في العاصمة واشنطن.

يقول مواطن تركماني اسمه سليمان: "لطالما كانت تركمانستان دولة دكتاتورية، لكنها لم تواجه يوماً هذا الوضع المزري، وفي أي عالمٍ مثالي، كان الرئيس سيتنحى كي يتسلم مسؤولون يهتمون بالشعب السلطة ويحاولون مساعدة الوطن، لكن على أرض الواقع، يجب أن تعترف الحكومة بانتشار فيروس كورونا في البلد، وتُكثّف التدابير الفاعلة مع التركيز في المقام الأول على مساعدة أكثر المتضررين اقتصادياً".

تترافق التدابير التي اتخذتها السلطات التركمانية، على غرار إغلاق الأسواق الشعبية ومراكز التسوق الكبرى، مع تداعيات هائلة على الوضع الاقتصادي للأفراد، ولم تحاول الحكومة تحسين ظروفهم، إذ لم يتلقَ العاملون في تلك الأماكن أي مساعدة مالية، بل خسروا عملهم بكل بساطة وما عادوا يستطيعون جني المال.

يدعو سليمان إلى الاعتراف بالحقيقة والتحرك بالشكل المناسب، ففي ظل انتشار الوباء في معظم أنحاء العالم أصبح وجود الفيروس أمراً مفروغاً منه: "بغض النظر عن قوتنا، لا يمكن القيام بشيء لمواجهة الفيروس، ويصعب السيطرة عليه، ولا يستطيع أحد أن يأمره بالتوقف عن الانتشار أو أن يقدم له الرشوة، حيث تعكس طريقة تعامل الحكومات مع المشاكل مستوى أدائها الحقيقي، ومن الواضح أن أداء حكومة تركمانستان سيئ جداً".

* «كاثرين بوتز»

back to top