مولود بن زادي: «تجار الرواية» لا يكتبون لنشر قيم الإنسانية والحضارة

«أتقن الإنكليزية أكبر اللغات ولغة المعارف والعلوم والتكنولوجيا»

نشر في 30-08-2020
آخر تحديث 30-08-2020 | 00:02
منذ انطلاق روايته الأولى "عبرات وعبر"، التي تروي معاناة الجزائر أثناء حرب التحرير 1954-1962، إلى روايته الأخيرة "انجلينا فتاة من النمسا"، التي تُصنَّف ضمن روايات أدب المهجر، ثمة نقلة أدبية شهدتها مسيرة الأديب الجزائري مولود بن زادي، تمثلت في خروجه من التعبير عن الواقع المحلي إلى رغبته في إيصال تجارب أجناس أخرى إلى داخل الوطن العربي.
وفي حواره مع "الجريدة" من القاهرة، يكشف بن زادي عن هذه الرغبة بقوله: "أشعر أني أستطيع نقل هذه التجارب والأفكار من خلال الرواية للدفاع عن المحبة والسلام وعالم واحد آمن لكل البشر"، متهماً "تجار الرواية" بإضعافها، كما تحدث عن أعماله ورؤيته للعديد من القضايا الأدبية. وفيما يلي تفاصيل الحوار:
● ما هي المكونات التي شكلت رصيدكم الثقافي؟

- القراءة ساهمت إلى حد كبير في تشكيل معرفتي وثقافتي، كيف لا وهي نافذة نطل من خلالها على كل ثقافات الدنيا، اللغات الأجنبية أيضا، فأنا خريج معهد ترجمة، وأتقن أكبر لغة في العالم وهي الإنكليزية لغة المعارف والعلوم والتكنولوجيا، وأستفيد من ذلك لتوسيع معارفي والقيام بأبحاثي الأدبية والفكرية، وأستفيد أيضا من الهروب إلى الطبيعة وتأملها ومحاورتها، أتعلم من الطبيعة ما لا أتعلمه من أي كتاب في الدنيا، الطبيعة مصدر إلهامي وجزء لا يتجزأ من كتاباتي.

الهيئات الثقافية

● تتنوع إبداعاتك بين الرواية والنقد، أين تجد نفسك أكثر؟

- أجد نفسي في كل ذلك دون استثناء، فبمجرد أن أركز على موضوع، أشعر بطاقة عظيمة ورغبة فائقة في الولوج إلى أعماقه والإحاطة بكل جوانبه، لكن بعضها يستدعي جهدا ووقتا أكبر، مثل "معجم الزاد للمترادفات والمتجانسات العربية"، وهو ثمرة سنوات طويلة من البحث المتواصل، وأشعر برغبة في إيصال تجارب أجناس أخرى قريبة مني، وبعيدة عن الوطن العربي، وبعض التجارب والمفاهيم والأفكار قد يكون بطبيعة الحال صادما بحكم الاختلاف الثقافي والفكري. أشعر أني أستطيع نقل هذه التجارب والأفكار من خلال الرواية والمقابلة معا، والدفاع عن المحبة والسلام وعالم واحد آمن لكل البشر، لا مكان فيه للخلفيات والتعصب، وأستطيع توظيف الشواهد والحجج النابعة عن البيئة الجديدة، لا ينقصني إلا شيء واحد، هو دعم الهيئات الثقافية في الوطن العربي.

تجار الرواية

● الرواية أصبحت المسيطرة على الساحة الأدبية بعد تصدر الشعر، كيف تنظر إلى الأعمال الروائية اليوم؟

- ما أشبه الكتابة بالموضة، فإن كانت الغلبة لهذا الصنف الأدبي في عصرنا، فهذا لا يعني مطلقا أن الرواية ستحتفظ بهذه المكانة للأبد، والغريب في عصرنا هذا، ربما، هو تخلي الشاعر عن الشعر وتحوله إلى كتابة الرواية، وقد لا يتقن فنونها. الأدب أشبه بالتجارة، إذ عادة ما يتخلى التاجر عن البضاعة الكاسدة التي لا طائل منها ويستبدلها بتجارة أخرى تدر عليه الأرباح، "تجار الرواية" لا يكتبون لأجل نشر قيم المحبة والإنسانية والحضارة بقدر ما يكتبون لأجل الفوز بجوائز وتحقيق شهرة، والغريب في الأمر أنه كلما فاز أحدهم بجائزة وحقق شهرة، ازداد هوسه، ورغبته في كسب أضعاف مضاعفة من الجوائز، وتحقيق كثير من الشهرة، وقد يحقق مكاسب من الجوائز، والشهرة وهو غير قادر على تقديم إضافة بعدما استهلك أفكاره، فنراه يكرر نفسه تارة، وغيره تارة أخرى، وهو لا يدري، لقد أدى هذا التهافت إلى إغراق السوق العربي بالكتب في مجتمعات معروفة منذ أجيال بعزوفها عن القراءة.

محاربة الجهل

● برأيك ما الدور الذي يمكن أن يؤديه أدباء المهجر في محاربة التشدد ونشر القيم الإنسانية والحضارية؟

- نذكر جيدا الدور الذي لعبه كبار أدباء المهجر أمثال: "جبران خليل جبران، وميخائيل نعيمة" في محاربة الجهل، والتشدد والدعوة إلى المحبة والإنسانية، ونذكر هجومهم العنيف على الدولة العثمانية في وقت كان المحلي منشغلا بتمجيد القومية وحتى اليوم، وفي الوقت الذي يكتب فيه المحلي عن الأوطان والثورات العربية، وأي فوضى تندلع هنا أو هناك في الوطن العربي، ها نحن نكتب عن مواضيع تخص العالم، وقد سعيت لتوضيح جانب من ذلك في رواية "أنجلينا فتاة من النمسا" بناءً على تجارب شخصية، لقد علمنا المهجر الكثير بما في ذلك الإيمان بالانتماء إلى الجنس البشري والمحبة والإنسانية.

«أدب الجوائز»

● هل هناك نقاط تشابه أو تقاطع بين بنية النص العربي والغربي؟

- الأدب العربي يهتم بالشكل، بينما يركز الأدب الغربي على الفكرة، ومن سمات كثير من المؤلفات العربية المغالاة واللف والدوران وهو ما يصعب فهم النصوص، الأمر مختلف تماماً في المؤلفات الأجنبية التي عادة ما تتوخى البساطة والوضوح، والمثال البسيط على ذلك رواية "بائع الحليب" للإيرلندية آنا بيرنز الفائزة بالجائزة العالمية "مان بوكر" للرواية في عام 2018، التي تصوّر الصراع الطائفي المستمر في إيرلندا الشمالية، بلغة بسيطة بعيداً عن الحشو، أما الأدب العربي اليوم فهو "أدب الجوائز" يتسابق فيه الكتاب لإصدار روايات كل سنة تشارك في مسابقات الجوائز، نشعر أن الكاتب يكتب لأجل الجائزة، ولا يتحرر من ذلك حتى إذا فاز بها، فنراه يكتب مجددا لأجل الجائزة، ونشعر أن المواضيع التي يختارها الكاتب العربي في هذا العصر صارت تسير نحو إرضاء لجان الجائزة، ولأجل كسب الجائزة، وليس بالضرورة خدمة لرسالة الأدب والإنسانية والحضارة البشرية المشتركة.

● ماذا عن كتاباتك النقدية إذا ما أردنا وضعها في سياق من الرؤية والنظر؟

- تتناول كتاباتي النقدية مؤلفات أدبية عالمية من ثقافات مختلفة على منوال مقالة "أوركسترا الأقليات" لرحلة البحث عن تطوير الذات التي تناولت الأدب النيجيري باللغة الإنكليزية، وهذه الرواية بلغت القائمة القصيرة للجائزة العالمية.

وكتاباتي النقدية تثور أيضا على الأفكار والمعتقدات التي لا يقبلها العقل والمنطق، بما في ذلك استنتاجات خاطئة وقع فيها أدباء وباحثون مثل "نظرية المؤامرة" بخصوص دخول الأديبة العربية مي زيادة مستشفى العصفورية في لبنان، التي روج لها وصدقها كثيرون دون عرض أدلة ملموسة يقبلها المنطق.

● بالبحث عن التراث المغربي والعربي بين عوالمك... أين نجده فيما قدمت؟

- في بداية مسيرتي الأدبية، حيث كنت متأثرا كثيرا بالشرق، يتجلى ذلك في روايتي الأولى "عبرات وعبر" التي تروي معاناة أسرة فقيرة في الجزائر، وهي شاهد على العصر، كتبتها اعتماداً على شهادات أشخاص بما في ذلك والدي، فالرواية تصور الواقع في الجزائر أثناء حرب التحرير الجزائرية 1954-1962، وتعرض عادات وتقاليد اندثر كثير منها في هذا العصر، ورواية "رياح القدر" التي تجري أحداثها في الجزائر أيضا، صورت جزءا من هذا التراث.

مدينة لندن

● ما هي مشاريعك المؤجلة التي تحلم بتحقيقها ولم تنفذها إلى الآن؟

- رواية جديدة تقع أحداثها في مدينة لندن أواصل من خلالها إجراء مقارنات بين الشرق والغرب، على منوال رواية "أنجلينا فتاة من النمسا"، التي اعتبرتها دراسات نقدية "رواية صادمة"، لأنها تحمل مفاهيم وأفكارا جديدة، ومختلفة، ونابعة عن البيئة الجديدة، وبدأت الرواية ثم توقفت حيث تساءلت عن جدوى مواصلة هذا النوع من الروايات إذا لم يلق صدى في المجتمعات العربية، ولدى الهيئات الثقافية العربية، هذا النوع من الروايات الجريئة يضعني في مواجهة تيار محافظ في الوطن العربي، وأنا لا أرى جدوى مواجهة من هذا القبيل دون دعم أو طائل.

قواميس ومعاجم وقصص وإصدارات روائية

مولود بن زادي كاتب وباحث لغوي مقيم بالمملكة المتحدة، عضو في رابطة الأدباء العرب، وعضو سابق في اتحاد الكتاب الجزائريين.

ومن مؤلفاته: قصة أطفال بعنوان "الغزالة المغرورة"، وقاموس "الأفعال المركبة الإنكليزية باللغة العربية" إنكليزي– عربي، ورواية "عَبَرَاتٌ وعِبَر" 2011، و"معجم الزّاد للمترادفات والمتجانسات العربية" 2013، أكثر من 600 صفحة، وهو الأول من نوعه في الجزائر وفي المغرب العربي، ورواية "رياحُ القدر" 2014، عاطفية اجتماعية مقتبسة من قصّة حقيقية، ورواية "مَا وَرَاءَ الأُفُقِ الأزْرَق" 2017، وهي رواية سيرة تقع أحداثها في لندن بإنكلترا.

القراءة ساهمت إلى حد كبير في تشكيل معرفتي وثقافتي
back to top