لماذا كل هذا العداء لأمة العرب؟

نشر في 27-08-2020
آخر تحديث 27-08-2020 | 00:09
 علي البداح علق أحد الإخوة الأعزاء على مقال سابق بأنني أضع اللوم دائما على الآخر حين أصف ما يحدث للعرب وأن العلة، كما قال واستشهد بآراء كتاب آخرين، في العرب أنفسهم، فلم يحدث مثل ما نرى هنا لأي شعب آخر، ويقول كثير من الشعوب استعمرت ثم استقلت وبنت نفسها بعد الاستعمار والدمار الذي خلفه وانطلقت، فلماذا ظلت أمة العرب تزداد انقساما وتشرذما رغم خروج المستعمرين؟

أعتقد أن كل من طرحوا مثل هذه الأسئلة يعرفون الإجابة، لكنهم أيضا وصلوا إلى مرحلة من اليأس تجعلهم لا يريدون أن يعملوا شيئا غير التحسر.

الأمة العربية استهدفت وما زالت مستهدفة لعدة أسباب، فمنذ بدء الدعوة الإسلامية وانتشار جيوش النبي، محمد صلى الله عليه وسلم، ومن بعده الخلفاء الراشدون والخلفاء الأمويون والعباسيون والعثمانيون وغيرهم، فإن هذا الدين الجديد الذي غزا العالم واحتل كثيرا من بلاد الشرق والغرب ودانت له شعوب وأمم حتى أصبح الدين المنافس الأكبر للدين المسيحي والأديان الأخرى، كل هذا خلف روحا عدائية من الطبقات الحاكمة لهذه البلدان، واجتمعت كل الدول التي دخلتها جيوش المسلمين أو هددتها، واتفقت على إيقاف ذلك التمدد، ثم اتفقوا على دحره ورده بعد قرون طويلة إلى أرضه الأصلية، وبعد أن تمكنوا من ذلك اتفقوا على ألا يمكنوا العرب، أساس نشر هذا الدين، من الوقوف ثانية موحدين تحت أي ظرف من الظروف، وكان أكبر عقاب اتخذوه للعرب لضمان عدم وحدتهم مرة ثانية هو قرار إنشاء وطن لليهود في فلسطين، احتل الأرض وشرد أهلها وأصبح الشوكة واللعنة الكبرى في قلب الأمة العربية.

استخدم الغرب وبالذات بريطانيا وفرنسا وإيطاليا كل الوسائل لتثبيت تقسيم العرب إلى دول متطاحنة ومهددة بالكيان المسخ الذي خلقوه، وزادت مصيبة العرب أن المستعمرين اكتشفوا في باطن أرضهم خيرات كثيرة فصار هدف التقسيم أكثر أهمية ليتم الاستيلاء على هذه الخيرات بدون مقاومة، وزاد الأمر سوءا باختيار حكام لإدارة هذه البلاد المقسمة همهم الأول البقاء وأخذ المقسوم مما تخرجه الأرض.

بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية بدأت شعوب العالم تتململ من جيوش الاحتلال واشتعلت ثورات استطاعت أن تطرد المستعمرين وتنشئ دولا حديثة بعضها تمكن من النجاح الكبير وبناء دول حديثة متقدمة، وكانت مصر هي الدولة العربية الأولى التي نجحت في كسر الطوق الاستعماري، وأصبح الرئيس عبدالناصر رمزا للتحرر ليس في الوطن العربي فحسب إنما في كل دول آسيا وإفريقيا وأميركا اللاتينية، فكان أن تكالبت دول الاستعمار التقليدية مع كيانها الصهيوني الذي زرعوه لضرب عبدالناصر حتى لا تقوم للعرب أي قائمة، ولا شك أن القضاء على عبدالناصر سبب الكثير من التراجع للحركة القومية الثورية التي ظهرت حينها، ومكنوا الكيان الصهيوني من احتلال سيناء والضفة الغربية والجولان، وزادوا من تشرذم العرب بالتهديد والإغراء أو بإثارة المشاكل مع جيرانهم.

ومع هذا فإن القطب الذي قاد العالم بعد الحرب العالمية الثانية وتأكدت قوته بعد انهيار الاتحاد السوفياتي لم يكتف بضعف العرب، وبدعوات يهودية ظلت تذكر الغرب والقطب الأوحد أنه لا بد من تفتيت العرب أكثر، وزرع الفتن بينهم وتركهم في حالة رعب دائم، يكون أساسه الدين الذي يؤمنون به بخلق أحزاب وعصابات وقوات إرهابية تثير الرعب باسم الدين بين المسلمين أنفسهم، تؤدي إلى تدخل مسلمين غير عرب في الدول العربية بحجة حماية الطوائف المختلفة أو بحجة مواجهة الإرهاب.

كان مخطط الشرق الأوسط الجديد الذي تبنته الإدارة الأميركية خطة صهيونية قذرة أرادت به ضرب الطوائف الإسلامية ببعضها، وضرب العرب بالمسلمين من غير العرب لتعم الفوضى ويرتعب الحكام العرب ويلجؤوا إلى الكيان الصهيوني للحماية.

نحن بالفعل نمر بمرحلة من أخطر مراحل العرب، فالمحتل يتمدد في أرضنا والحكام فقدوا القدرة على التفكير السليم، وصارت تتلاعب بعقولهم أهواء تسللت إليهم من كارهي العرب الذين يخيفونهم أيضا من شعوبهم، فالسؤال إذاً ليس لماذا يحدث لنا ما يحدث، إنما ما العمل للخروج مما نحن فيه؟

بكل بساطة أن نعود لأبجديات العمل القومي العربي، ونصر على أننا عرب واليهود محتلون ونتعامل معهم ومن يساندهم على هذا الأساس، فإذا كان العالم وسادة الكيان الصهيوني فلن يقبلوا بحرب ضد هذ الكيان، فلنوقف أي تصرف يمنح هذا الكيان فرصة للتمدد، ولنقاطعه مقاطعة شاملة كاملة في كل مجالات الحياة، ونشن عليه حربا اقتصادية وإعلامية وفكرية في إفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية لحرمانه من المصادر أو تسويق منتجاته وفضح مخططاته في كل مكان ومجال.

وفي الوقت نفسه علينا دعم النضال المسلح الفلسطيني والمقاومة الشعبية في فلسطين والأراضي المحتلة الأخرى، وإبقاء جيش هذا الكيان وأمنه في حالة استعداد دائمة، وإن مصر تستطيع أن تطلق الرصاصة الأولى لبدء معركة التخلص من الكيان الصهيوني بالانسحاب من اتفاق السادات وبيغن، وإن عزل الكيان الصهيوني كفيل بإسقاطه وإن أخذ ردحا من الزمان، وإن الصلح مع العدو لن يحقق أمنا ولا سلاما وإنما يجر إلى ويلات أكبر.

إن اتخاذ الشعب العربي موقفا موحدا بعزل المحتلين محليا وخارجيا كفيل بأن يردع أي متخاذل وأن يوقف أعوان الكيان الصهيوني عن أساليب الخداع والمهانة التي تتعامل بها مع العرب.

back to top