جاذبية أسهم الاكتتابات العامة تتراجع... فمن المسؤول؟

• مطلوب تنظيم تعارض الفتاوى الشرعية بشأن الأسهم عبر إسنادها إلى شركات مرخصة ومختصة
• تأخر الإدراج غير مبرر ويعزّز تعقيدات التعامل مع أسهم الشركات العامة

نشر في 27-08-2020
آخر تحديث 27-08-2020 | 00:05
محمد البغلي
محمد البغلي
مع التأكيد على احترام حق الناس في اختيار نوعية استثمارهم، خصوصا في مسألة شرعيته، فإن الأمر يجب أن يناط بقدر معين من التنظيم، لئلا يخضع للخطأ أو للأهواء.
عادت الى الواجهة مجددا مناسبة الحديث عن الاختلالات التي تواكب عمليات الاكتتابات العامة وإدراج شركاتها في بورصة الكويت، بما يتناقض مع الهدف من طرح الأسهم للاكتتاب على المواطنين.

والاكتتابات العامة لا تستهدف تمويل رأسمال الشركات المطروحة لإمكانية سداده بسهولة من الدولة أو القطاع الخاص أو المستثمر الأجنبي بقدر ما تبتغي تحقيق أكبر منفعة للمواطنين المكتتبين عبر فرص استثمارية تشغيلية وذات عوائد عالية نادرة التكرار، كما أنها تعزز من جبهة مواجهة المقترحات الشعبوية التي تستنزف أموال ومدخرات الدولة دون عوائد مالية او اقتصادية، وقد حدث في السنوات السابقة ان استفاد العديد من المواطنين من عمليات اكتتابات عامة كما حدث مع طروحات بنك بوبيان والقرين للبتروكيماويات وشركة فيفا للاتصالات وشركتي الوقود وحتى التوزيع المجاني لأسهم بنك وربة.

غير أن واقع الحال يشير الى ان الأفكار الجيدة اذا نفذت بطريقة قاصرة او خاطئة فإن نتائجها قد تكون معاكسة او على الأقل محدودة، وهو ما تبين لاحقا عند ادراج سهمي شركة البورصة وشمال الزور في بورصة الكويت عبر منصتي السوق الرسمي والـotc، اذ حقق سهم بورصة الكويت أقصى مكاسبه بعوائد ناهزت 800 في المئة، مقارنة برأس المال، أما سهم شمال الزور فبلغت مكاسبه القصوى 400 في المئة مقارنة برأس المال وهي مكاسب حرم منها العديد من المواطنين غير المكتتبين.

تحريم قطعي ومرن

ولكل من سهمي البورصة وشمال الزور قصة حرمت المواطنين من تحقيق المنفعة بالاكتتاب فيهما، فسهم شمال الزور ناله الكثير من الفتاوى الشرعية التي تحرّم قطعا المساهمة فيه، وهي فتاوى لم تمنع المكتتبين قانونا، لكنها أثرت سلبا في الإقبال على الاكتتاب، اذ لم يساهم بالشركة وقتها أكثر 127 ألف مواطن من اصل 1.4 مليون مواطن، في حين أعلنت واحدة من أكبر شركات الاستثمار الإسلامية، وهي بيتك للتداول، ادراج اسهم شمال الزور ضمن قائمة الأسهم المتوافقة مع الشريعة الإسلامية، اي ان اسلامية سهم شمال الزور كان محل نقاش لا تحريم قطعي.

ومعروف لمتابع شرعية الأسهم والشركات امر مهم، هو ان التحريم القطعي في شراء الأسهم يكون لحالتين، الأولى بسبب نشاط مخالف للشريعة كشركات المشروبات الروحية وأندية القمار، والثانية لنشاط يجب حسمه عند التأسيس، كالبنوك وشركات الاستثمار والتأمين، وهي شركات يجب ان ينص نظامها الأساسي على انها اما اسلامية او تقليدية، في حين تخضع بقية الشركات كالخدمات والطاقة والاتصالات والكهرباء والعقار وغيرها من الأنشطة المتنوعة لمعيار التوافق او عدم التوافق مع الشريعة الإسلامية، وهو معيار مرن مرتبط بالبيانات المالية وأهمها نسب الاقتراض والإقراض والتمويل، وكم من شركة في البورصة انتقلت مرات عديدة بين قائمتي التوافق وعدم التوافق طبقا لبياناتها المالية الفصلية.

حق الاختيار

ومع تأكيد احترام حق الناس في اختيار نوعية استثمارهم خصوصا في مسألة شرعيته، فإن الأمر يجب ان يناط بقدر معين من التنظيم لئلا يخضع للخطأ أو الأهواء، كأن تكون مسألة تحديد شرعية الأسهم خاضعة لاختصاص الشركات الاستثمارية الإسلامية وهيئاتها الشرعية التي تقدم نشرات الأسهم المتوافقة وغير المتوافقة مع الشريعة، بمعنى ان تكون العملية مرتبطة بشكل وثيق بجهات تمارس الأعمال الاستثمارية والمالية وتخضع لضوابط العمليات الشرعية، وهي مهمة يجب ان تضطلع بها هيئة اسواق المال.

ولعل المقاصد السليمة لهيئة مشروعات الشراكة بين القطاعين العام والخاص بأن يتم تأسيس الشركات التي تطرحها الهيئة للاكتتاب العام وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية تحقق جانبا من مبتغى الاكتتابات العامة في اشراك اكبر عدد من المواطنين في الطروحات الاولية لكنها ايضا يمكن ان تصطدم بعقبات فنية تتعلق بالمنافسة وتوفر افضل البدائل التمويلية للشركات الجديدة.

إجحاف هيئة الأسواق

اما في ملف اكتتاب شركة بورصة الكويت فتبدو مسؤولية هيئة اسواق المال اكبر، فالشركة وإن نالها تحريم الفتاوى الشرعية كونها شركة تقليدية اصلا، الا ان الاجحاف الذي وقع على مساهميها كان اشد ضررا من اي امر آخر، اذ اخفقت الهيئة في ملف عدالة تخصيص الأسهم للمكتتبين فساوت بين المكتتب بـ 100 دينار والمكتتب بـ100 ألف، بمعنى انها لم تراع اوضاع صغار المكتتبين، وهذه مساواة خالية من العدالة بل تصل إلى حد الظلم لأن الغرض الأساسي من الاكتتابات هو تحقيق أقصى منفعة لصغار المكتتبين مع ان الغرض الأساسي من وجود هيئة أسواق المال حماية مصالح المساهمين بصورة عادلة.

خفض جاذبية

ومع تجاوز مسألة الشرعية او عدالة تخصيص الاسهم فإنه يمكن بسهولة رصد اجراءات من شأنها خفض جاذبية الاكتتابات لدى المواطنين من جهة طول مدة ادراج الشركات في البورصة، خصوصا في حالتي "البورصة وشمال الزور"، فالشركتان مؤسستان منذ سنوات فشركة البورصة تأسست عام 2014 وشركة شمال الزور تأسست عام 2013 واذا كان مفهوما عدم طرح اي شركة للاكتتاب الا بعد بدء اعمالها التشغيلية فإنه من المستغرب ان يأخذ ادراج احداهما وهي شمال الزور مدة 9 اشهر من الاكتتاب الى موعد الادراج، اما شركة البورصة فيتم ادراجها اولا في منصة الـ otc لتنسحب بعدها لفترة غير محددة تمهيدا لادراجها في السوق الرسمي، وفي كلتا الحالتين فذلك تعقيد غير مبرر في التعامل مع اسهم شركات عامة صغيرة الحجم، خصوصا عندما نقارنهما بإدراج ضخم مثل شركة ارامكو بالسوق السعودي الذي تم بعد انتهاء عملية الاكتتاب بأسبوع واحد فقط.

اكتتابات قادمة

المطلع على خطتي هيئة الشراكة والتنمية يجد فيهما ما يزيد على 20 مشروعا مقرراً طرحها للاكتتاب العام في قطاعات متنوعة مثل الكهرباء والماء والشبكات الضوئية والمصافي والبتروكيماويات والبريد والتخزين والشحن والنقل والمناطق الاقتصادية والعمالية والاستثمار في القطاعات الصحية والترفيهية والاتصالات والتكنولوجيا والبيئة ومعالجة النفايات، وهنا يجب على الدولة ان تهتم برفع جاذبية هذه الطروحات للمواطنين عبر معالجة ما شاب اكتتابي البورصة والزور من اختلالات انعكست على حرمان اغلب المواطنين من مميزاتهما.

أكثر من 20 مشروعاً مقرراً طرحها للاكتتاب العام وعلى الدولة رفع جاذبيتها عبر معالجة اختلالات اكتتابي «البورصة» و«الزور»

فلسفة الاكتتابات ليست فقط في جمع التمويل بل تحقيق أكبر منفعة للمواطنين عبر فرص استثمارية تشغيلية ومواجهة المقترحات الشعبوية
back to top