تداعيات رحيل الجنود الأميركيين من ألمانيا

نشر في 24-08-2020
آخر تحديث 24-08-2020 | 00:00
 ناشيونال ريفيو ما الذي يدفع الولايات المتحدة إلى دعم دفاع ألمانيا؟ فهذا البلد يعقد الصفقات مع روسيا، ولم ينفذ يوماً الالتزامات التي يفرضها عليه حلف الناتو، ويُعتبر الأكثر عداءً للولايات المتحدة في أوروبا.

أصدر الرئيس دونالد ترامب حديثاً أمراً بتخفيض عدد القوات العسكرية الأميركية في ألمانيا بمعدل 12 ألف عنصر، مما يعني بقاء حوالي 24 ألف جندي أميركي هناك.

تشعر المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بالاستياء من هذا القرار، فهي تزعم أن إعادة انتشار العناصر بهذا الشكل يُضعف حلف الناتو، كذلك اعتبرت الجهات التجارية الألمانية أن انسحاب الجنود يسيء إلى شركاتها التي تخدم القواعد الأميركية منذ عقود.

قد يكون هذا التحليل صحيحاً لكن يجب ألا تتفاجأ ميركل بما حصل، فمنذ ست سنوات تعهدت جميع الدول الأعضاء في الناتو بإنفاق 2% من ناتجها المحلي الإجمالي على الدفاع، لكن التزمت ثمانية بلدان من أصل 29 فقط بوعدها. تطرح روسيا تهديداً دائماً على أوروبا، لكن لا تقع نقاط الاشتعال المحتملة على الحدود الألمانية، بل باتجاه الشرق، في دول البلطيق أو على الحدود الروسية مع بولندا، كذلك عقدت حكومة ميركل، رغم اعتراض الولايات المتحدة، صفقة ضخمة في مجال الغاز الطبيعي مع روسيا التي تتعرض راهناً لبعض العقوبات الأميركية وتفتقر إلى الأموال النقدية. يُقال أيضاً إن صادرات الطاقة الروسية إلى ألمانيا تمنح روسيا 10 مليارات دولار سنوياً، ومن المتوقع أن يتضاعف هذا المدخول عند استكمال خطوط الأنابيب التي تصل إلى ألمانيا. تحب ميركل دوماً أن تلقي المحاضرات حول المسائل الأخلاقية أمام العالم، لكن ما الجانب الأخلاقي في ما تفعله لتقوية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي استرجع شبه جزيرة القرم منذ فترة ويبدو أنه يضع بيلاروسيا نصب عينيه الآن؟

تجدر الإشارة إلى أن ألمانيا تحصد أكبر فائض سنوي من تجارتها مع الولايات المتحدة مقارنةً بجميع البلدان الأوروبية الأخرى (بين 55 و70 مليار دولار في معظم السنوات). تظن إدارة ترامب أن الفوائض زادت بشكلٍ أساسي نتيجة عدم التكافؤ في التعريفات الجمركية والرسوم، إذ تطبّق ألمانيا السياسة الحمائية بصرامة تفوق بأشواط شريكتها الأميركية. بعدما أصبحت ألمانيا اليوم دولة موحّدة وغنية وغاضبة في معظم الأوقات وبعد تلاشي معظم التهديدات السوفياتية، يبدو أن ألمانيا، لا الولايات المتحدة، هي التي غيّرت رأيها حول هذه العلاقة الثنائية التي كانت صلبة في الماضي. هل تظن ميركل أن ألمانيا لا تزال تستحق التزام الولايات المتحدة بإبقاء 36 ألف جندي لتدعيم دفاعها رغم عقدها صفقات ضخمة مع دولة تطرح أكبر تهديد تاريخي على الناتو، أو رغم تحوّلها إلى أول دولة معادية للولايات المتحدة في أوروبا، أو إصرارها على عدم الالتزام بوعودها حول زيادة إنفاقها الدفاعي؟ في مطلق الأحوال، يجب أن تتنبه إدارة ترامب والدول الأوروبية الأخرى إلى مسألة مهمة، فقد نشأ حلف الناتو في الأصل لثلاثة أسباب: إبقاء الروس العدائيين "خارج" أوروبا، وإبقاء الأميركيين الانعزاليين "داخل" أوروبا للمشاركة في حمايتها، والحفاظ على "هدوء" الألمان العصبيين لتجنب أي غزوات جديدة كتلك التي أشعلت الحربَين العالميتَين. يبدو السبب الثالث بالياً وسخيفاً اليوم، لكنه لم يصبح في طي النسيان، وقد يفسّر ما يجعل الكثيرين في أوروبا (والبعض في ألمانيا) يشعرون بالقلق عند رحيل أي جنود أميركيين من ألمانيا.

*«فيكتور ديفيس هانسون »

back to top