في ظلال الدستور: الميزانية نفاذها ببداية السنة المالية كأرقى رقابة برلمانية

نشر في 16-08-2020
آخر تحديث 16-08-2020 | 00:10
 المستشار شفيق إمام هذا هو المبدأ الذي أقرته كأصل عام المحكمة الدستورية في تفسيرها لأحكام المادة (145) من الدستور في طلب التفسير رقم 9 لسنة (2001) في منطوق القرار وأسبابه على النحو التالي:

منطوق القرار:

إن قانون الميزانية يعمل به من بدء السنة المالية، ما لم يتراخَ صدوره إلى ما بعد هذا التاريخ فيعمل به من تاريخ صدوره بغير أثر رجعي.

أسباب القرار:

إن الدستور قد حدد مدة الميزانية بسنة تعين بقانون (139)، وهذا القانون هو الذي يحدد بداية ونهاية السنة المالية، وقد نص هذا القانون على أن تبدأ السنة المالية في أول أبريل من كل عام، وعلى ذلك فإن قانون الميزانية إنما ينفذ من تاريخ بدء السنة المالية، ما لم يتراخ صدوره إلى ما بعد بدئها، فيعمل به من تاريخ صدوره.

الاستعجال في إقرار الميزانية:

ولهذا نصت المادة (162) من اللائحة الداخلية لمجلس الأمة على أنه يكون نظر الميزانية في المجلس ولجانه بطريق الاستعجال، أي أن نظر الميزانية في مجلس الأمة ولجانه، بموجب هذا النص، يعتبر من المسائل المستعجلة التي تنظر قبل غيرها، وهي في الفقه القانوني المسائل التي يخشى عليها من فوات الوقت.

وقد استلهمت اللائحة الداخلية هذا الحكم من روح الدستور ونصوصه وعلى الأخص الفقرة الثانية من المادة (145) فيما تنص عليه من أنه: "وإذا كان مجلس الأمة قد أقر بعض أبواب الميزانية الجديدة، يعمل بتلك الأبواب"، فالنص الدستوري يرسخ اليقين أيضاً، في اعتبار اعتماد الميزانية من المسائل المستعجلة.

ووفقا لقضاء المحكمة الدستورية، يعمل بهذه الأبواب قبل تصديق الأمير عليها ودون نشرها في الجريدة الرسمية. (المحكمة الدستورية قرار التفسير الصادر بجلسة 30/ 1/ 2002 طلب التفسير رقم 9 لسنة 2001).

واللائحة الداخلية للمجلس– وفقا لقضاء المحكمة الدستورية– أصبحت مكملة لأحكام الدستور في خصوص وظيفة المجلس التشريعية وسائر صلاحياته الدستورية، وتغدو وثيقة ذات طبيعة دستورية، وقد صدرت بتفويض من المادة (117) من الدستور (طلب التفسير رقم 26 لسنة 1996).

التأخير في إقرارها:

وقد جاء في أسباب قرار المحكمة الدستورية سالف الذكر أن "المشرع الدستوري في مواجهة حالة تأخر المجلس في اعتماد قانون الميزانية إلى ما بعد بدء السنة المالية، نص في المادة (145) على العمل بالميزانية القديمة لحين صدوره".

وقد رجعنا إلى مناقشات المجلس التأسيس حوله تحريا لمقاصد هذا النص ووقوفا على الغاية التي استهدفت من تقريره والغرض المقصود منه والذي يفترض أن يكون هذا النص معبرا عنه ومحمولا عليه، فتكشف لنا أن تطبيق الميزانية القديمة، بعد بداية السنة المالية، مصدر قلق ومحل تحفظ من بعض أعضاء المجلس التأسيسي، ورغبتهم في أن يضعوا حدا للتراخي في إقرار الميزانية، فاستوضحوا الأمر من الخبير الدستوري، وأجابهم بأنه لا يمكن في مثل هذه المسائل أن نلزم مجلس الأمة بإقرار الميزانية في وقت معين، وإنما كل ما هنالك أننا نضع جزاء على التأخير، وهذا الجزاء هو أن يعمل بالميزانية القديمة. (مضبطة الجلسة 22 ص21).

وقد ارتضى المجلس التأسيسي إيضاح الخبير الدستوري سالف الذكر، فالجزاء لا يترتب على أمر أباحه الدستور، وأطلق يد السلطة التشريعية فيه، بل على أمر منهي عنه دستوريا إلا لضرورة، والضرورات تبيح المحظورات، أو هو أبغض الحلال في ممارسة هذه الرقابة البرلمانية الرائعة على الميزانية.

وقد رتبت المحكمة الدستورية على الجزاء الأصلي الذي رتبه الدستور جزاء تبعياً هو العمل بقانون الميزانية من تاريخ صدوره، دون أثر رجعي، وهو حق لا نخالفها فيه بل أوردناه بما يؤكد ويرسخ أهمية الإسراع في إقرار الميزانية لا إرجائها إلى آخر دور الانعقاد، واعتبار اعتماد المجلس لها الواقعة القانونية لفض دور الانعقاد العادي السنوي، بما يوجب على المجلس اعتماد الميزانية، خلال فترة الشهرين التالية لتقديم الحكومة مشروع الميزانية، والسابقة على بدء السنة المالية لفحص الميزانية وإقرارها، وهي الفترة التي حددتها المادة (140) من الدستور حتى لا ينتقص ذلك من قاعدتين أساسيتين من قواعد الميزانية.

أولاهما: قاعدة سنوية الميزانية:

ذلك أن تراخي إقرار الميزانية يقصرها على بعض شهور السنة، بالرغم مما توجبه المادة (140) من الدستور من شمول الميزانية لكل إيرادات ومصروفات السنة المالية بالكامل، وهلم جرا، في السنوات المالية التالية.

ثانيتهما: قاعدة وحدة الميزانية:

وذلك بما يؤدي إليه التراخي في إقرار الميزانية من تطبيق الميزانية القديمة والميزانية الجديدة في سنة مالية واحدة، وهو ما ينعكس سلبا على السنوات المالية التالية، ولنا عودة في المقال القادم إلى المادة (85) من الدستور فيما اشترطته لفض دور الانعقاد من اعتماد الميزانية كشرط ضروري، وكما يقول الإمام الأعظم أبو حنيفة: "علمنا هذا رأي فمن جاءنا بخير منه قبلناه".

back to top