الرئيس الأميركي دونالد ترامب ليس جاداً في احتواء روسيا

نشر في 14-08-2020
آخر تحديث 14-08-2020 | 00:00
مرت فترة كان في وسع الرئيس الأميركي دونالد ترامب طرح قضية مقنعة وقوية حول أسلوب ادارته نحو احتواء النظام العدائي والمتهور في موسكو، ولكن الحكم من خلال أداء الرئيس خلال مقابلة صحافية أجراها جوناثان سوان معه أخيراً يظهر أن ذلك الوقت قد انتهى الى غير رجعة. وعندما طرح الصحافي السؤال عن صحة تقارير الاستخبارات الأميركية التي تحدثت عن قيام روسيا بدفع الملايين من الدولارات الى الثوار الأفغان – بمن فيهم عناصر من حركة طالبان - من أجل مهاجمة القوات الأميركية في أفغانستان تحول ترامب الى خندق الدفاع بشكل واضح، ولم يكن ذلك دفاعاً عن ادارته بل عن نفسه، كما أنه اعترف بأنه لم يطرح الأمر في محادثة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

وإضافة الى ذلك فقد زعم الرئيس الأميركي أن تقارير الاستخبارات المشار اليها كانت مجرد "أخبار زائفة وملفقة" وأنها لم تصل الى مكتبه والا لكان تصرف بالشكل المطلوب في مثل تلك الأوضاع (ولكن الواقع أنها وصلت الى البيت الأبيض ولم يحرك ساكناً ).

مصادر القلق

والأكثر اثارة للقلق كان موقف ترامب رداً على الحاح الصحافي سوان حول كشف الاستثمارات الروسية في أفغانستان حيث طرح صيغة بغيضة اشتملت على فرضية أن أجهزة الاستخبارات كذبت بشأن دفع الأموال الى الثوار الأفغان وعندها أشار الصحافي سوان الى اعتراف وزارة الدفاع الأميركية بأن روسيا كانت تقدم الدعم المادي – بما في ذلك السلاح – الى حركة طالبان أجاب ترامب "أنا أقول إننا قمنا بذلك العمل أيضاً". وبعدها أصر ترامب على أنه سمع عن احتمال قيام موسكو بتقديم عون مالي لعمليات حركة طالبان – وربما كان ذلك عندما أدلى الجنرال جون نيكولسون بشهادته حول هذا الأمر أمام الكونغرس، ولكن الرئيس كرر تأكيده أن تلك الأنباء لم تصل الى مكتبه، وأضاف: "روسيا لا تريد أي شيء في أفغانستان"، ووجه حديثه الى الصحافي مباشرة قائلاً "لعلك سمعت عن الأنباء التي تحدثت حول ما يدعى الحرب السوفياتية في أفغانستان".

وكما هي العادة، حاول ترامب الحصول على موقع للدفاع عن نفسه، ولكنه قدم عدة اعترافات لم تكن في صالحه، وعرف عنه عدم الاهتمام بالانباء التي تتحدث عن تقديم روسيا مساعدات مالية للثوار الأفغان وتبين أنه لا يعلم شيئاً عن استثمارات روسيا الاستراتيجية والطويلة الأجل في ذلك البلد بعد خروج الولايات المتحدة وهو يعتقد أن الصحيح هو اجراء مقارنة بين ديناميكية العلاقة الأميركية – الرروسية اليوم وبين حروب الوكالة التي جرت في فترة الحرب الباردة.

استطلاعات الرأي

من جهة اخرى، اذا تشابهت نتائج استطلاعات الرأي مع حصيلة الانتخابات الرئاسية في شهر نوفمبر المقبل فلن يكون لدى ترامب ما يثير القلق من منافسة روسيا ولكن جو بايدن سوف يشعر بقلق بكل تأكيد لأن الرئيس الجديد سوف يرث علاقة غير مستقرة مع روسيا كما أنه اذا أراد أن يعالج تلك المسألة على غرار ما قام به باراك اوباما فإنه سوف يزيد الأمور سوءاً.

وكان ترامب على حق في نقطة واحدة وهي أن الولايات المتحدة متورطة في نزاع عالمي آخر تشارك روسيا فيه وهو الحرب في سورية وذلك منذ عام 2015 على الأقل، كما أنه منذ تلك الفترة التي دخلت فيها موسكو في النزاع حدثت احتكاكات بين القوات الروسية والأميركية، كما أن روسيا تستمر في تمويل وتجهيز العناصر غير الحكومية في شرق أوكرانيا وقد شنت حملة نشطة سرية تهدف الى زعزعة استقرار الدول المتحالفة مع حلف شمال الأطلسي ضمن حدود الاتحاد السوفياتي السابق.

مبادرات الكرملين الدبلوماسية

وتجدر الاشارة الى أن مبادرات الكرملين الدبلوماسية التي راوحت بين التوسط في النزاع في الشرق الأوسط وصفقات السلاح على اختلافها قد صممت بحيث تحل محل نفوذ واشنطن كما أن موسكو حافظت بشكل جلي على حضور دائم في أفغانستان منذ عام 2014 وكانت تعول في هذا الجهد على المجموعات الثورية المعادية للغرب في ذلك البلد وهي ترمي الى التحضير لملء الفراغ الذي سوف يحدثه انسحاب قوات الولايات المتحدة في نهاية المطاف.

من جهة اخرى، كانت وزارة الدفاع الأميركية تتصرف منذ زمن طويل كما لو أن روسيا قد حققت درجة من المساواة مع الولايات المتحدة في الميدان السبراني وقد عمدت الى تعزيز ما يمكن وصفه بـ "الغارة الرقمية" في أوساط البنية التحتية المهمة في روسيا (وربما من دون علم الرئيس الأميركي) اضافة الى أن الدعم الذي تقدمه روسيا الى الأنظمة المارقة حول العالم – من كوبا الى فنزويلا وكوريا الشمالية - وتزويدها بالسلاح إنما يمثل تهديداً مباشراً الى الأمن القومي الأميركي.

وقد بذلت ادارة ترامب قصارى جهدها من أجل مواجهة بعض تلك التحديات – وكانت ناجحة في أغلب الأحيان – فيما تمت معالجة البعض الآخر من الحالات بصورة متهورة ومتسرعة، وبغض النظر عما اذا كان جو بايدن سوف يفوز في انتخابات الرئاسة في شهر نوفمبر المقبل فإن ثمة حقيقة لا جدال فيها وهي أن ادارته سوف ترث كل المصاعب والمتاعب التي تواجه الادارة الحالية كما أن البيت الأبيض اليوم يتحدث كثيراً عن الحاجة الى اتخاذ سياسة احتواء أكثر حدة ضد روسيا فيما اذا حاولت ادارة بايدن استعادة سياسة باراك اوباما ازاء روسيا فإن موسكو سوف تتمتع بحرية تصرف غير مسبوقة.

التفوق العسكري الأميركي

المعروف أن بايدن يدعم علانية الحفاظ على التفوق العسكري الأميركي في مواجهة الصين وروسيا والعودة الى "منافسة القوى العظمى" كما أنه دعم توسع حلف شمال الأطلسي وأيد نشر قوات حليفة على الحدود مع روسيا. وذلك كله ترتيب جيد ولكن تلك الأهداف تتعارض مع أهدافه العقائدية الى حد كبير.

وعلى سبيل المثال فقد تعهد بايدن بالتراجع عن جهود ادارة ترامب الهادفة الى اعادة فرض عزلة دبلوماسية على كوبا اضافة الى أن سياسة بايدن المتعلقة بالطاقة تتسم في أغلب الأحيان بالتناقض وترك الباب مفتوحاً أمام الحد من الانتاج المحلي الأميركي ويفاقم هذه الأوضاع وجود فلاديمير بوتين اضافة الى أن بايدن اشتهر بمعارضة التدخل الأميركي في الأزمة السورية ودعوته الى سحب القوات الأميركية من الأراضي السورية ضمن خطوات اخرى من شأنها ضمان عدة أهداف روسية ومن بينها الحفاظ على نظام بشار الأسد.

وربما كان الجانب الأكثر اثارة للقلق يتمثل في استمرار بايدن في الالتزام بالحفاظ على الاتفاق النووي مع ايران – وهو احتمال مشجع في أعقاب ما يقارب ثلاثة أعوام من المعركة المفتوحة بين الولايات المتحدة وايران – وكانت متابعة ذلك الاتفاق مع طهران، والاسهام الذي قدمته روسيا من أجل الحفاظ عليه، قد أجبرا ادارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما على الاشاحة بوجهها بعد زيادة موسكو للتوترات في سورية. وكانت تلك التطورات قد ساعدت روسيا على تفادي وضعية الدولة المنبوذة في أعقاب غزو شبه جزيرة القرم وضمها كما كانت مفاوضات الاتفاق النووي مع ايران قد سمحت لروسيا بتفادي عقوبات قاسية من جانب الولايات المتحدة الى أن تدخلت موسكو في الانتخابات الرئاسية الأميركية. وتجدر الاشارة الى أن ادارة بايدن لن تتمكن من فرض تبعات مرهقة على روسيا في المستقبل.

حملة بايدن

في غضون ذلك، تفتقر حملة جو بايدن الانتخابية الى الحوافز اللازمة لحل هذه التناقضات قبل موعد الانتخابات في شهر نوفمبر المقبل اضافة الى أن رئاسة بايدن لن تفضي الى الالتزام بتخفيف التهديد الذي تمثله روسيا على أكثر من صعيد في المستقبل.

● نوح روثمان

back to top