فهد الهندال: الأعمال الأدبية تشرّح المجتمع ولا تقدم حلولاً

«أبحث عن سرد يتضمن فكراً أستطيع من خلاله تحديد الثقافة ومستوى الوعي»

نشر في 11-08-2020
آخر تحديث 11-08-2020 | 00:05
قال الناقد والكاتب فهد الهندال إن الأعمال الأدبية تقوم بتشريح المجتمع دون أن تكون معنية بتقديم حلول للقارئ.
ضمن النشاط الثقافي المصاحب لمعرض الكتاب الافتراضي (E-Raf)، أقيمت محاضرة "الرواية وارتباطها بذاكرة الواقع الاجتماعي" عبر بث مباشر على قناة الـ "يوتيوب" الخاصة بالمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، وشارك فيها الكاتب والناقد فهد الهندال، والروائية هديل الحساوي، وأدارتها الكاتبة ريهام الفوزان.

واستهلت الفوزان المحاضرة بسؤالها ما إذا كان بإمكان الإنتاج الأدبي أن يعكس الواقع كما هو، فأجاب الهندال بأن "العلم يعتمد على الحقائق، في حين يغوص الأدب ويبحث عن الحقيقة ولكن لا يصل إليها، لذلك الأدب مهما حاولنا أن نوجد له أرضاً مستوية من الصعوبة بمكان أن نجد هذا السطح الافقي؛ لأن الأدب خليط من مجموعة رؤى، وخطابات وتقنيات، وأيضا تأثيرات ومصادر، وتنقيب، لذلك فهو بحد ذاته علم قائم، ولكن لا يعتمد على الحقيقة في أن تكون مطلقة".

وأضاف الهندال أن الأدب "قد يؤدى إلى جزء من الحقيقة، فهو يعتمد على الخيال، ولكن السؤال الأهم كيف نقدم الواقع في الأدب، إذ إن الأدب لا يقدم حلولاً بقدر ما يقدم تشريحاً لمجتمع معين من خلال قضية يريد أن يصل إلى أعماقها".

مفهوم القارئ

من جانبها، قالت الروائية هديل الحساوي: "عندما نتحدث عن نص، فإن أي نص اجتماعي يتكلم عن قضية سيتضمن المنجز رؤية الكاتب وكذلك المجتمع، ولكننا نغفل زاوية القارئ، فإذا تطرقنا إلى قضية الطلاق، فسيأتي دور القارئ ويكون لدينا تلق جديد حسب رؤية القارئ ومفهومه وخلفيته الاجتماعية".

وذكرت الحساوي أن الحقيقة العلمية إذا لم تكن مثبتة بدراسات فالعلماء يمكن أن يقوموا بتأويلها، لكن عندما نأتي إلى الأدب فالموضوع شائك أكثر من الحقائق العلمية، ففيه تدخل وجهات النظر.

وعقب الهندال: "أذا أردنا الحديث عن الروايات الحديثة بالمعيار الفني لتكنيك الرواية فسنجد أن الراحل إسماعيل فهد إسماعيل هو الرائد بهذا الفن في الكويت، وصحيح أنه كانت هناك تجارب سابقة ولكن من وجهة نظري، كانت اجتهادات وكانت نصوصاً ما بين قصة قصيرة وطويلة، وربما شكل من أشكال السرد، ولكن لا تمثل عملاً روائياً".

وأضاف أن إسماعيل فهد إسماعيل نتيجة لاطلاعه العربي والغربي، وما يملكه من خزين فكري وفني في الكتابة والممارسة، يعتبر بحق مؤسس فن الرواية في الكويت، وبعده كانت هناك أسماء كثيرة دخلت في هذا المعترك، وهناك من صنف نفسه روائيا من خلال ما أنتج من أعمال يراها أنها تمثل أدبا روائيا، وهناك من يحاول أن يتلمس طريقه في هذه النقطة، ويحاول أن يصل إلى العمل الروائي الناضج، وهناك من هو متردد أو متشتت ما بين القصة القصيرة، والرواية والسرد، والخاطرة والسيرة وغيرها، "لكن أنا أركز على الأعمال الروائية التي لدينا في الكويت، وهناك أسماء كثيرة بتعدد أجيالها من جيل إسماعيل، من جيل الوسط، من جيل الشباب".

الرواية والأرشيف

وتابع: "حقيقة أنا مازلت أبحث عن العمل الروائي خارج نطاق إسماعيل، وليلى العثمان، مازلت أبحث عن عمل روائي يقدم لي الواقع لا كما هو، ولا بسرده المستهلك وتكرار أفكاره، بل أبحث عن السرد الروائي الذي يجعل من الرواية فكرا أستطيع من خلاله تحليل الفرد والمجتمع، وتحديد ثقافته ومستوى الوعي، حتى الآن لا نزال نقرأ إنتاجات على أنها رواية وكتابات، ولكن ما زالت تفتقد إلى العمق، وأنا لا أعمم فهناك تجارب قد تكون استثنائية، وقد تكون فردية وبسيطة، وتعد على أصابع اليدين، ولكن مقارنة بالنتاج العربي وخاصة الخليجي، مازلت أجد أن الرواية في الكويت ببدايات طريقها".

وزاد: "يمكن أن يختلف معي البعض في هذا الرأي فهناك نتاجات وجوائز، وأسماء ظهرت، لكن الجوائز ليست من وجهي نظري معيارا أو مقياسا لنجاح هذا الروائي وهذا العمل، فنحن نعلم كواليس الجوائز وغيرها، لكن عندما أقرأ عملا روائيا يقدم فكرا روائيا لهذا الكاتب، ويقدم من خلاله مشروعا مستمرا في كتابة الرواية، فهنا أستطيع أن أقول: نعم لدينا مشروع رواية يجسد فن هذا العمل. وربما إذا أردت أن أتحدث بالأسماء فلدينا إسماعيل فهد إسماعيل، وناصر الظفيري، رحمهما الله، وكلاهما كان لديه مشروع روائي".

وأكد الهندال أن "البعض الآخر أو الأسماء الأخرى كانت الرواية تمثل عندهم حالة معينة يمرون بها أو حالة زمنية يسترجعونها، وينجزونها من خلال العمل الروائي، فالرواية ليست أرشيفاً بل بحث في حالة اجتماعية قائمة أو سابقة أو أبحث عن جذورها، وأقدم من خلالها أفكاري كروائي".

فكرة الكتابة

بدورها، قالت الحساوي: "قرأت الكثير من الإنتاج الروائي للشباب، ولاحظت بعض المشاكل في بعض الأعمال تتمثل في الخلط بين فكرة كتابة نص روائي، وفكرة كتابة الدراما التلفزيونية"، مشيرة إلى أن ذلك الخلط وجد كثيرا في العديد من الروايات.

وأكدت أن الرواية لها أسس وتكنيك معين، موضحة أن المفهوم الدارج عند الشباب أن الرواية الاجتماعية تتناول الواقع الاجتماعي، وهذا لا يعني بالضرورة أن الخيال مستمد من الواقع، ولا يعنى بالضرورة أيضاً أن تصطبغ الكتابة بالمباشرة.

ولفتت إلى أن الكثير من الشباب في رواياتهم يتناولون الحدث كما صار في أرض الواقع، مستذكرة إحدى الروايات التي سردت جريمة قتل، وعلقت بأن ما قدم في هذه الرواية عبارة عن أخبار صحافية على شكل رواية.

وأكدت أن الرواية تتضمن الجانب النفسي والسيكولوجي لخلق شخصية عميقة وليست مسطحة، مبينة أن هناك مشكلة أخرى يقع فيها الشباب وهي نضج التجربة قبل أن كتابة رواية اجتماعية، "فليس سهلا أن أقدم مشاهدات العالم اليومي، فهناك نضج معين يجب أن يصل إليه الإنسان ويكون وجهة النظر، ثم يعيد صياغة هذه الوجهة، ووجهات النظر الأخرى، فالرواية عبارة أصوات، وتعدد وجهات النظر، وحوار يحدث داخل النص وخاصة الرواية الاجتماعية".

وذكرت الحساوي أن عمليه بناء النص غافلة عن أذهان الشباب المقبلين على الكتابة، لافتة إلى أنهم ملتزمين حرفيا بفكرة الواقع الاجتماعي.

توقعات

وعن التوقعات للإنتاج الأدبي القادم بعد "كورونا"، قال الهندال: "كتبت تغريدة في بداية أزمة كورونا، وكانت نوعاً من الدعابة، وأتوقع أن كورونا سوف تدخل في أكثر من شكل روائي، وأنتظر حقيقة الرواية التي تحلل نفسية هذا المجتمع الذي رزح تحت الجائحة، وترصد السلوك الإنساني، وتحاول شرح الأبعاد والأصول، أو الأسباب التي أدت بهذه السلوكيات، وهذا الموضوع قرأته لساراماغو عندما تحدث عن فكرة العمى التي أصيب بها مجتمع معين نتيجه انتشار فيروس في الجو، وكيف تحول هذا الإنسان نتيجة لهذه الظروف الاستثنائية من كائن بشري إلى كائن يعتمد على صراع من أجل البقاء".

وأضاف: "أنتظر حقيقة رواية، وطموحي أن تكون على الأقل قريبة من هذا المستوى في الأعمال التي تحدثت عن الأوبئة، وأن ترصد السلوك الإنساني"، مشيراً إلى أن جائحة كورونا لم تكن قاصرة على الصحة فقط بل أظهرت جانبا آخر كان غائبا، وللأسف هذا الجانب الغائب لم يكن بذلك الجمال إلا عندما غاب الكائن الأساسي وهو الإنسان، "إذ رأينا الطبيعة كيف عادت لها الحياة، والسماء أصبحت صافية عندما توقفت المعامل، صحيح أنه كانت خسائر أثرت على المجتمع، ولكن على الجانب الآخر تعافت الطبيعة من طمع الإنسان".

روايات جديدة بتقنيات مختلفة

أعربت الروائية الحساوي عن أملها أن تكون فترة الحظر استغلت بصورة جيدة وأن تكون وقفة مع النفس، «ونرى إنتاجا أدبيا وروايات جديدة بتقنيات كثيرة ومختلفة».

وبينما ذكرت الحساوي أن رواية حسين المطوع «تراب» تطرقت إلى ظروف مشابهة لما يحصل في الوقت الحالي من العزلة والمرض الذي يصيب الناس، عبر الهندال عن شعوره بالتفاؤل أن يأتي كتاب روائي يتناول ما حدث أثناء انتشار «كورونا» وما حصل للإنسان والسماء والأرض والطبيعة.

هديل الحساوي: هناك خلط بين تكنيك كتابة الرواية والدراما التلفزيونية
back to top