مخاصمة القضاة... جزء من النص مفقود!

نشر في 10-08-2020
آخر تحديث 10-08-2020 | 00:19
 عبدالرحمن الخضير تبنّى المشرع الكويتي نظام مخاصمة القضاة مؤخراً بالرغم من كثرة عيوبه، وذلك بعد مضي نحو قرنين على تطبيقه في فرنسا. إلا أن نظام مسؤولية الدولة عن أعمال السلطة القضائية هو النظام الأمثل لإثارة مسؤولية القاضي عن أعماله، وهو النظام المطبق حالياً في فرنسا، والذي كان حرياً بالمشرع الكويتي الأخذ به. كما أن المشرع الكويتي قد أغفل عند تبنيه لنظام مخاصمة القضاة عن أول وأهم سبب لقيام مسؤولية القاضي وهو إنكار العدالة.

وتتضح أهمية فكرة إنكار العدالة في أن المشرع الفرنسي قد قننها في المادة 4 من القانون المدني لسنة 1804، وذلك قبل تقنين نظام مخاصمة القضاة في قانون المرافعات المدنية الفرنسي، إذ نصت المادة 4 من القانون المدني الفرنسي على أن: "القاضي الذي يمتنع عن الحكم بذريعة نقص القانون أو غموضه أو عدم كفايته يمكن ملاحقته (مخاصمته) كمرتكب لإنكار العدالة"، وجُرم هذا الفعل بالمادة 185 من قانون الجزاء الفرنسي القديم لسنة 1810 والمواد 1-7-434 من قانون الجزاء الفرنسي الحالي.

وتلا ذلك توسع في مفهوم إنكار العدالة من جانب الفقه الفرنسي، إذ عرَّف إنكار العدالة بأنه: "كلُّ إخلال من جانب الدولة بواجباتها في الحماية القضائية للأفراد"، وجاء عقب ذلك تأكيدٌ من محكمة النقض الفرنسية لهذا المفهوم الواسع، إذ قضت بدوائرها المجتمعة في عام 2001 بأن "وجود نظام مسؤولية خاص بالأداء المَعيب لمرفق القضاء، والذي لا يحرم المتقاضي من الوصول إلى القاضي، لا يتعارض مع متطلبات المحاكمة العادلة بالمعنى المقصود في المادة 6 من الاتفاقية الأوروبية لحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية".

فلا ريب أن إغفال المشرع الكويتي للأخذ بإنكار العدالة كسبب من أسباب إثارة المسؤولية المدنية لأعضاء السلطة القضائية، يعد انتهاكا صارخا لحق من الحقوق الأساسية للإنسان وهو "الحق في محاكمة عادلة"، وذلك على الرغم من أن دولة الكويت أحد أطراف الميثاق العربي لحقوق الإنسان، والذي نص في المادة رقم 13 منه على أن: "لكل شخصٍ الحق في محاكمة عادلة تتوافر فيها ضمانات كافية...". وأصبح هذا الميثاق جزءا من النظام الداخلي لدولة الكويت بصدور القانون رقم 84 لسنة 2013 بالموافقة على الميثاق العربي لحقوق الإنسان.

ومن الأمثلة المؤسفة لعدم احترام حق الإنسان في المحاكمة العادلة والحقوق المتفرعة منه كالحق في الوصول للقاضي، ما نراه اليوم في بعض المنازعات التي تخرج عن ولاية القضاء الكويتي، ولا يختص بها أي قضاء آخر، كالمنازعات المتعلقة بمسائل الجنسية الكويتية والمنازعات الخاصة بإلغاء القرارات الإدارية الصادرة ضد أعضاء قوة الشرطة، بالإضافة إلى عدم احترام المدة المعقولة للفصل في المنازعات، حيث تستغرق بعض المنازعات أمداً طويلاً دون مسوِّغٍ معقول، ولا مندوحة من القول ان انتهاك الحق في المحاكمة العادلة عن طريق إنكار العدالة قد لا يثير مسؤولية القضاة وفقاً للقوانين الداخلية فقط، بل مسؤولية دولة الكويت أمام المحكمة العربية لحقوق الإنسان، ويضع دولة الكويت في مصاف الدول التي لا تحترم مقتضيات المحاكمة العادلة، كذلك قد يؤدي الأمر إلى عزوف المستثمر الأجنبي عن الاستثمار في الكويت.

وفي الختام ندعو المشرع الكويتي إلى الأخذ بعين الاعتبار أن إنكار العدالة هو سبب رئيسي لإثارة مسؤولية الدولة عن أعمال السلطة القضائية؛ لما لذلك من أثر مباشر على احترام الدولة لمقتضيات المحاكمة العادلة.

* محامٍ سابق وعضو هيئة التدريس المنتدب بكلية الدراسات التجارية

back to top