إنكار الخطر

نشر في 07-08-2020
آخر تحديث 07-08-2020 | 00:06
 د. نبيلة شهاب مازلنا تحت خطر الفيروس المستبد كورونا، ومازال بعضنا يعيش في خوف وترقب، لكن الحياة لابد أن تعود، وأن نجد طريقة مناسبة للتعايش مع هذا الوضع الصحي الخطير المستجد، ولكن البعض يحاول أن يبسط الأمر لأقصى درجة فتجده يمارس حياته بطريقة وأسلوب بعيد جداً عن الحذر وأخذ الاحتياطات المطلوبة، حتى أبسط تحذيرات وزارة الصحة لا يلتزم بها!! لماذا؟ بعض هؤلاء يشعر بالخطر ويعيش الخوف في داخله حين يكون بمفرده، لكنه ينكره أمام الآخرين حتى يقال عنه قوي وشجاع ومستقل لا ينصاع لأوامر السلطة أو الآخرين!! وينكر كذلك حتى لا يشعر بالضعف أمام الخطر والمرض، ويرغب أن يبدو بمظهر المتمكن من كل الأمور خصوصا الأمور التي تخيفه وتقلقه. وينكر آخرون لأنهم يظنون أن ذلك يجعلهم سعداء لأنهم يتوهمون أنهم بأمان نتيجة بعدهم عن الخطر وعن التفكير فيه وتوقعه، ولكنهم في الواقع لا يشعرون بالسعادة الحقيقية لأن الأمان والهدوء في داخلهم مفقود ومهدد. ضعف الفرد وعدم قدرته على حل أي مشكلة أو عدم قدرته على التوافق معها بالطريقة المناسبة يجعل البعض ينكر وجودها، فعلى سبيل المثال: كثيراً ما أنكر الطالب صعوبة المادة التي يكون ضعيفاً فيها وقد يدعي أنه أدى الاختبار بصورة جيدة وأنه لم يواجه صعوبة، والحقيقة عكس ذلك تماماً!!

فمن يحاول على سبيل المثال الدخول الى أماكن التسوق أو المراكز الصحية أو غيرها دون أخذ الاحتياطات المطلوبة، ويتجادل مع المخولين بتنظيم الدخول، قد يرى في نفسه قوة تواجه قوة أخرى، وأنه شجاع لا يرضخ للإجبار ويرفض أن يتم تقييد سلوكه، وهو أبعد ما يكون عن ذلك، مثله مثل ذلك الذي لا يطبق مبدأ التباعد الجسدي وعدم الاختلاط بالآخرين، وتمتلئ بعض مراكز التسوق بهم وبصورة مخيفة دون أن يكون هناك حاجة ملحة لذلك، هم في حقيقة الأمر أصدق مثال لإنكار الخطر والتسيب والتساهل في التعامل معه، فقد يكونون سبباً للعدوى لأنفسهم وللآخرين المخالطين لهم، وهم عرضة لاستهزاء الآخرين وقلة احترامهم لهم لعدم فهمهم وتقديرهم للمخاطر، وعدم الالتزام بالتعليمات الصحية. الشعور بالمشكلة وخطورتها والتفكير فيها لا يعني أن نجعلها محور حياتنا ونتركها تغلف ساعات يومنا بالهم والخوف والقلق والجزع وعدم الراحة، بل يعني الاستعداد لها واختيار أفضل الطرق والأساليب للتعامل معها والتوافق والتعايش معها أو التخلص منها. اتباع التعليمات الصحية بدقة لا يدل على ضعف في الشخصية ولا على أن الشخص مستسلم وضعيف وتابع وينصاع للآخرين، بل يدل على نضج عقلي ونفسي اجتماعي وعلى وجود شخصية متزنة سليمة تستطيع موازنة الأمور بدقة، وتسير بالخط السليم الصحيح الذي يقودها للنجاة ويبعدها والآخرين عن الخطر والمجازفة القاتلة، والإنسان القوي هو الذي يتسم بالمرونة ويستطيع بكل سهولة تغيير سلوكياته وطبيعته بما يناسب المواقف والظروف التي يمر بها.

إنكار وجود الخطر لا يأتي بخير أبداً، فمن يتسم بذلك ظاهره سعيد ومتوافق وقوي، وحقيقته أنه أضعف ما يكون، وقد يكون من أكثر الناس هماً وقلقاً، الى جانب أنه لا يواجه المشكلة بالطريقة الصحيحة، وبالتالي يبقى في بؤرة الخطر باستمرار.

back to top