إنعاش دولة

نشر في 07-08-2020
آخر تحديث 07-08-2020 | 00:08
 د. فيصل ملفي المطيري تخضع الدولة في هذه الأيام لمحاولة إنعاش متأخرة، للحفاظ على سلامة وظائف نظامها المعطوب، حتى يتسنى له اتخاذ مزيد من التدابير اللازمة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، واستعادة نبض الشارع الطبيعي وتنفسه العفوي قبل فوات الأوان، وبالرغم من الضجة المصاحبة لهذه التدابير، فإنها مازالت مبتذلة، لا يمكن أن تقتل ألماً سببه فساد بهذا الحجم والشكل المخيف.

في السابق، كان الفاسدون في البلاد مجرد سفلة عاديين يبذلون قصارى جهدهم لكيلا يعرف أحد أنهم سفلة، وكان فسادهم لا يتجاوز نطاق خوفهم، أما الآن فلا تتم متعتهم إلا إذا عرف الجميع أنهم فعلاً سفلة، لا حدود تمنعهم، تجردوا تماما من الأسس الأخلاقية والقيم الوطنية. واللامبالاة وعدم الاكتراث في الإفساد واستباحة حرمة المال العام نتيجة حتمية حين يُسمح بوجود سفلة كهؤلاء في محل قوة وسطوة وفي مأمن من المساءلة والعقاب، وحين يُمنع الشعب من الخوض والرفض والاعتراض.

نمط كهذا من الفساد مرتبط بقوة تسمح وتمنع، وأي محاولة إصلاح لا تواجه هذه القوة بالشدة والضراوة الكافية ستخضع بالنهاية لنظامها، ولن تحيد أبداً عن مسار ترسمه لها تلك القوة، لأن في السياسة غالباً ما يقترن مفهوم القوة بالقدرة على فرض قبول الآخرين للأوامر، والمحاولات الإصلاحية المتكررة، التي تتجاهل هذه الحقيقة، ما هي إلا حملات ترويجية يديرها النظام السياسي بنفسه، وتعمل على تكريس ثقافة قبول شرعية الواقع لا الإصلاح.

وحينما يستهوي ويستلطف الفاسدون هذه الأجواء، وتمضي الأمور وتستمر الحياة تحت اعتبار "الحق للأقوى"، فإن إنعاش الدولة من خلال الاستحواذ على هذه القوة يصبح واجبا وطنيا، تقع مسؤوليته على عاتق حركة الإصلاح الجادة، التي يجب أن تكون مستقلة بذاتها، خاضعة لسيادة الشعب المباشرة والمتمثلة بالإرادة العامة الحرة، لأنها هي وحدها من تملك الشرعية والقدرة على توجيه قوى الدولة للمصلحة العامة، وذلك على الشكل المبين في نظرية العقد الاجتماعي.

back to top