«لون الغد... رؤية المثقف العربي لما بعد كورونا»

نشر في 05-08-2020
آخر تحديث 05-08-2020 | 00:05
 طالب الرفاعي مع نهاية شهر فبراير الماضي، وفي ضجة وهلع انبعاث وباء كورونا، شعرتُ بأن العالم مقبل على تغيّر كبير، وحينها؛ كتبت أكثر من مقال على هذه الصفحة، ومن ثم توجهت بسؤال بسيط لـ (٨٨) مفكراً ومبدعاً ومثقفاً عربياً، عن الغد، عما بعد كورونا. وحين وصلتني الإجابات اشتغلت عليها، درساً وتحليلاً واستنتاجاً لرؤية المثقف العربي إنسانياً وثقافياً وقومياً وعالمياً لما بعد الجائحة.

ستصدر الدراسة في كتاب عنوانه: "لون الغد... رؤية المثقف العربي لما بعد كورونا"، وها أنا أخصّ "الجريدة"، بشيء من عالم هذا الكتاب. "هناك فئة واسعة من المشاركين في هذه الدراسة، تتمنّى وجود إمكانية لاقتراب البشر أكثرَ بعضهم من بعض، كون جائحة كورونا كشفت بشكل واضح عن صِغَر العالم ووحدة مصير الإنسانية، ووقوفها في خندق واحد تجاه الخطر الخارجي، وأنه لا يمكنها عبور هذا الخطر إلا بالتعاون الدولي. لذا قد يكون هناك، وفي مختلف بلدان العالم، من انتبه إلى ضرورة أن تسقط جميع التقسيمات البشرية العنصرية، والنظرات المتعالية والأحكام المُسبَّقة، وأن نظرية "حوار الحضارات" The Dialogue of Civilizations التي تكلم بها المفكر الفرنسي روجيه جارودي Roger Garaudy أحق بأن يُنْتَبَه إليها الآن أكثر من أي وقت مضى. وأن جائحة كورونا، أطلقت رصاصة الرحمة، وأسقطت بشكل جَلِي أطروحة "صراع الحضارات" The Clash of Civilizations التي تبناها وروّج لها "صامويل هنتنغتون" Samuel Huntington الذي يرى في الاختلافات الثقافية محركاً رئيساً للنزاعات بين البشر. حيث انكشف بشكل صريح أن الاختلافات الثقافية والعقائدية مهما تباينت واتّسعت بين البشر، فإنها تتوحد في لحظات المحن الكونية، حيث يتناسى الجميع انتماءاتهم العرقية والدينية، ويهبّون لمواجهة أي خطر يحدّق بالبشرية ويهددها. إن الأفكار والثقافات المختلفة، قد تكون محركاً للنزعات بين البشر، لكن المحرك الرئيس هو مصالح الدول الاقتصادية، والمال وفتح أسواق جديدة، وأخيراً الإصغاء لما باتت تُمليه متطلبات الليبرالية الجديدة والعولمة.

أوضحت جائحة كورونا، إمكانية أن تجتمع أطياف البشر على اختلاف أشكالهم وانتماءاتهم الجغرافية والفكرية والدينية على التواصل والتفاعل والتعاون بعضهم مع بعض، خصوصاً في مجال الطب، وتحديداً في أنموذج إيجاد دواء ناجع أو لقاح فعّال لمرض "كوفيد-19"، دون النظر إلى أيٍّ من الفوارق أو الخصوصيات الراهنة بين الناس. ومن المُستحسن كما أظن أن يتكرر هذا الأنموذج لتطبيقه على الشأن الفكري والثقافي والإبداعي والفني، وأن يكون قبول الآخر والتقرب منه بعد كورونا أفضل مما كان قبله، عَبْرَ تنقية النفس البشرية من الأنانية وحب الذات وتسليحها بوعي كوني وجودي أصيل. فحتى في الأسرة الواحدة توجد اختلافات بين الأخ وأخيه والأخت والأخرى، وفي المجتمع الواحد هناك اختلاف بين جماعة وثانية، لذا فمن المسلَّم به أن الشخصية الأوروبية/الأميركية هي غير الشخصية العربية، التي تختلف عن الأولى تماماً. الفرق جدّ شاسع وكبير، بين فتاة أو شاب ولِد وتربّى وعاش في نيويورك أو في أي مدينة أوروبية، وفتاة أو شاب ولِد وتربى وعاش في الكويت أو في أي مدينة عربية! قد يبدو للوهلة الأولى أن الفوارق كبيرة بين أفراد الشريحتين، وأن لا شيء البتّة يجمع بينهما. لكن، وقفة تأمل صغيرة تُظهر بشكل جلي أن الفكر والعلم والعواطف البشرية ومعايشة حدثٍ واحدٍ في اللحظة ذاتها، تجمع كثيراً بين الفرد من هناك والفرد من هنا، ولذا من باب أولى أن يتقاربا ويتصادقا، ويتبادلا الفكر والرأي والمشورة والاحترام، بدلاً من أن يتخاصما ويتقاتلا ويفني بعضهما البعض الآخر. كل هذا مع ضرورة أن يعيد الإنسان النظر في إيقاع حياته السريع، ولهاثه اليومي في ظل عالم مُعولم استهلاكياً، وأن يُتيح لنفسه فرصة تأمل ما يحيط به من بشر وحجر، وأن يعود إلى الطبيعة ويكون رحيماً بها ما أمكن ذلك، وهذا ما يتمناه كل عاقل مكتمل الأهلية الإنسانية، وحتى النفعية الخالصة في المستوى الأدنى.

back to top