هل قدّم الأدب والفن نتاجاً يوازي مأساة الغزو العراقي؟

ذكراه الـ 30 تحل بعد أيام قليلة... وتلفزيون الكويت يعرض أفلاماً وثائقية خاصة

نشر في 30-07-2020
آخر تحديث 30-07-2020 | 00:05
على مدار نحو 3 عقود، قدّم الأدب والفن في الكويت نتاجاً متنوعاً تناول فترة الغزو العراقي الغاشم في عام 1990، واستعرض الأدباء والكتاب هذا الحدث الجلل بطرق مختلفة وأساليب متنوعة، فمنهم من اكتفى بالتوثيق والتسجيل، ومنهم من جنح إلى التحليل وقراءة المعطيات التي أدت إلى أحداث الخميس الأسود -الثاني من أغسطس، وفريق آخر لجأ إلى الكوميديا والسخرية عبر أعمالهم المسرحية.
«الجريدة» استطلعت آراء بعض الكتاب والنقاد والشعراء حول مستوى النتاج الأدبي المنجز، وما إذا كان يوازي مأساة الغزو العراقي والأحداث التي عاشها المجتمع الكويتي إبان فترة عصيبة استمرت 7 أشهر... وفيما يلي التفاصيل:
قدّم الكتاب والشعراء والفنانون العديد من الأعمال الأدبية والفنية التي تناقش الأحداث التي جرت أثناء الغزو العراقي، ومنهم د. سليمان الشطي بإصداره "رسالة لمن يهمه أمر هذه الأمة"، الذي تناول فيه الأثر الذي تركه الغزو الصدامي لاسيما أنه كان من الذين عاشوا تلك الفترة العصيبة تحت نيران الاحتلال. ومنهم كذلك د. خليفة الوقيان الذي قدم مجموعة من القصائد التي تتناول كارثة الغزو، وسباعية "إحداثيات زمن العزلة" لإسماعيل الفهد، وقصص "الحواجز السوداء" و"يوميات الصبر والمر: مقطع من سيرة الواقع" للأديبة ليلى العثمان، و"شموع السراديب" قصص قصيرة لثريا البقصمي، ورواية "عندما في الأسفل" لعبدالعزيز محمد عبدالله في 2005، كما كتب الراحل عبدالرزاق البصير والشاعرة سعاد الصباح وغنيمة زيد الحرب وجنة القريني والراحل محمد الفايز وعبدالله خلف وخالد سعود الزيد وفاضل خلف وعلي السبتي وغيرهم.

الغزو أكبر من السرد

بدوره، قال الأمين العام لرابطة الأدباء الكويتيين الأسبق الروائي حمد الحمد إن ما حدث في عام 1990 كان يصعب تصديقه، مشيراً إلى أن المبدع في مختلف المجالات: السرد أو القص أو الشعر،

لا يود استرجاع ما حصل إبان تلك المرحلة المريرة من التاريخ الكويتي، معتبراً أن الأدب الكويتي لم يقدم سرداّ بموازاة حجم المأساة التي استمرت 7 أشهر، لأن الحدث كان أكبر بكثير من أن يستوعبه عمل سردي.

وأضاف الحمد: "عندما نتكلم عن الغزو أو الاحتلال العراقي لدولة الكويت، حينها نحن لا نتكلم عن حدث محلي، بل حدث عالمي هز العالم بأسره، فقد استيقظ العالم في 2 أغسطس على دولة تحتل دولة أخرى بأكملها، في تجاهل تام لمواثيق هيئة الأمم المتحدة وقوانينها"، مبيناً أن ما حدث على الإنسان الكويتي لا يمكن ترجمته على الورق، فلقد وجد المواطن الكويتي - خصوصا من كان مسافراً خارج البلاد- في لحظة أنه بلا وطن، وبلا عمل، وبلا دخل، وبلا مصدر رزق، وبلا مأوى، حدث لم يستوعبه العقل، والكلام ذاته ينطلق على من صمدوا في الكويت خلال تلك الفترة.

وتساءل: "هل بإمكان الأديب سواء كان شاعرا أو روائيا أو غيره، أن يستوعب ما حدث في حينه؟ أعتقد لا، لأن الحدث أكبر من أي شيء، وبالتالي كيف يستطيع المبدع أن يترجم مشاعره على الورق؟".

الصمود والتحدي

ويسرد الحمد جانبا من ذكرياته مع أصعب 7 أشهر عاشتها الكويت، مبينا أنه كان خارج الكويت أثناء الغزو، وتجرع مرارة العيش خارج وطنه المحتل. وقال ضمن هذا السياق: "عندما عدت في شهر مارس 1991 كنت أعيش في لحظات ممزوجة بالفرح والألم في آن، فالبهجة لأنني عدت إلى وطني، أما الوجع فلأنني أشاهد بعيني حجم الدمار المادي والمعنوي والنفسي للإنسان الكويتي رغم الصمود والتحدي".

وحول ظروف كتابة أول عمل له يترجم فيه مأساة الشعب الكويتي إبان فترة الغزو العراقي، قال: "اعتمدت في ذلك على تجربتي السردية السابقة، وقررت الكتابة لاسيما عندما جاءت فكرة كتابة عمل ما عن تلك الفترة، وأذكر الحوار الذي دار مع بعض زملائي الأدباء فكان الحديث يتمحور حول الفترة الزمنية المناسبة للكتابة فهل ننجز أعمالنا للتعبير عن مأساة الغزو أم نؤجل الشروع بذلك إلى مرحلة لاحقة".

وأضاف: "أنا شخصياً شعرت أن لدي رغبة بالكتابة لاسيما أن ثمة مناظر لم نألفها في الكويت ومنها السحاب المثقل بدخان حرائق آبار النفط التي تغطي سماء الكويت، لهذا كنت أكتب ويدي ترتجف، وقبل الكتابة قمت برصد آراء من صمدوا واستمعت لمعاناتهم، لألتقط من حديثهم مجموعة أفكار لأحداث أقوم بتحويلها لقصص قصيرة، وصدرت لي أول مجموعة قصصية بعنوان (ليالي الجمر) وكانت تحكي معاناة الغزو، والكتاب يعتبر من أوائل الأعمال السردية التي صدرت عن الغزو عام 1991، وكذلك صدر لي كتاب عن الشاعر فايق عبدالجليل ومعاناته أثناء الغزو حتى أسره وإعدامه، كما صدر للعديد من الزملاء أعمال أدبية تحاكي المأساة".

وأكد الحمد أن الأدب الكويتي لم يقدم سرداّ يوازي حجم المأساة، لأن الحدث أكبر بكثير من أن يوضع في عمل سردي، "وأعترف أنني بعد ذلك حاولت أن أقدم عملا توثيقيا عن الغزو لكن في الحقيقة كلما قررت الكتابة ينتابني شعور بالألم والحزن والحسرة، وتتبدد هذه الهمة سريعاً أمام رغبة بعدم استعادة ذكريات الغزو أو التعايش معها بعد تلك السنين".

فهد الهندال

من جانبه، قال الناقد فهد الهندال: "عند استعراض تجربة الأدب الكويتي ما بعد التحرير سنجد أن هناك أعمالاً مختلفة ومتنوعة تناولت حادثة الغزو العراقي الغاشم، فهناك أعمال وثقت الغزو كتوثيق دون الدخول إلى جوانب أعمق من مسألة استعراض السرد، بينما ركزت أعمال أخرى على قيمة الإنسان في مثل هذه المواقف، لذلك سيكتشف الراصد لما أنجز من أعمال تناولت تلك الفترة تبايناً كبيراً".

وأضاف الهندال: ربما الأبرز على مستوى السرد هي سباعية "إحداثيات زمن العزلة" للراحل إسماعيل فهد إسماعيل، وإن كانت قد كتبت بطريقة تسجيل لليوميات لما يحدث في تلك الفترة، فإنها لا تزال الأبرز والأكثر حضورا حتى الآن رغم مرور نحو 30 عاماً على صدورها.

وحول ما إذا كانت الأعمال الأدبية قدمت نتاجاً يوازي حجم المأساة، اعتبر أن هناك مجموعة أعمال تناولت الغزو كموقف شخصي عاشه الكاتب بنفسه أو شخصيات أخرى كان هو لسان حالها، بينما هناك أعمال استشهدت بحادثة الغزو وفقاً لمعطيات الترتيب الزمني، ولكن حقيقة حتى الآن "ما زلنا ننتظر عملاً سردياً متكاملاً يتحدث عن تلك المرحلة المهمة يبني فيها الكاتب بها الشخصيات ويحلل أعماقها بدقة متناهية، إضافة إلى مراعاة الجوانب الأخرى كالمواقف، والنسيج الاجتماعي، والظروف المحيطة، فالكتابة السردية ليست توثيقاً فحسب بل هي خطاب وموقف يسجل عن مرحلة معينة ليست بالضرورة أن تكون متزامنة وإنما أيضا لو كان هناك مسافة زمنية بينها وبينه".

وتابع: "أعتقد أننا كنا ننتظر أو نتوقع مثل هذه الأعمال ولكن كثيراً من الأعمال الروائية والتاريخية وغيرها التي سجلت مواقف تاريخية قد يكون الفاصل الزمني بينها كبيراً مع الحدث فلذلك وكما ذكرت في البداية لا زلنا ننتظر عملا سرديا يشرح لنا تلك الحادثة وشخصياتها وما حدث بها".

الحق الكويتي

وفي مجال الشعر، رأى الشاعر رجا القحطاني أن ردود الفعل الشعرية تجاه الغزو الغاشم لم تكن متواءمة كمًّا مع عدد الشعراء في الكويت، وربما عمد بعض الشعراء إلى الكتابة عن ذلك الحدث الجلل بعد انتهائه، وكانت قد صدرت بعض الصحف الكويتية في عواصم اللجوء، كما أن وسائل الإعلام في الدول العربية المؤيدة للحق الكويتي أتاحت المجال للأدباء والكتاب الكويتيين للدفاع بالكلمة عن وطنهم وإبراز قضيتهم العادلة، إلا أنه لم تظهر إلا مشاركات محدودة لشعرائنا في تلك الوسائل وخاصة الصحف، رغم أن الكثيرين منهم خرجوا من الكويت بعد الاجتياح العراقي الغادر.

واستذكر القحطاني، إحدى الفعاليات التي شارك فيها إبان الأزمة، وقال إن "نادي الرياض الأدبي بعد فترة وجيزة من الغزو نظم أمسية شعرية تأييداً للحق الكويتي شارك بها شعراء فصحى وعاميون كويتيون وسعوديون وقد شاركتُ بها مع مجموعة من الشعراء. وهنا أستذكر الشاعر الكبير الدكتور خليفة الوقيان الذي كتب عدداً غير قليل من القصائد التي تتناول كارثة الغزو روحيا وإنسانياً وسياسياً".

وتابع: "ربما أن صدمة الحدث وعدم استيعابه عطلت شعراء الكويت عن التعبير الفوري عن هذه القضية المصيرية، ولا يعد ذلك عذراً، إذ ينبغي للشاعر أن يلملم ألمه ويسلّ قلمه دفاعاً عن وطنه بالكلمة فضلاً عن أنه يجب أن يدافع عنه بروحه ودمه".

المسرح والتلفزيون

وقدمت خلال 3 عقود مجموعة من الأعمال المسرحية والتلفزيونية التي تتناول كارثة الغزو العراقي، ومن أبرز هذه الأعمال مسرحية "سيف العرب" للفنان عبدالحسين وعبدالرضا وحياة الفهد ومريم الصالح وأحمد جوهر وطارق العلي وعبدالإمام عبدالله وغيرهم، ولجأ فيها الفنان الكبير إلى الكوميديا الساخرة، كما قدمت أعمال أخرى حققت صدى طيباً منها "مخروش طاح بكروش" و"طاخ مخروش"، وتلفزيونياً مسلسل "ساهر الليل" وغيرها من الأعمال التي ناقشت هذه الفترة الصعبة.

حمد الحمد: الحدث كان أكبر بكثير من أن يستوعبه عمل سردي

فهد الهندال: ننتظر عملاً متكاملاً لا يغفل تحليل الشخصيات بدقة

رجا القحطاني: على الشاعر أن يلملم ألمه ويسلّ قلمه دفاعاً عن وطنه
back to top