الحكومة: قانون مخاصمة القضاء تضمَّن شبهة دستورية

أوردت 6 أسباب في مرسوم رد القانون ودعت مجلس الأمة إلى إعادة النظر فيه

نشر في 29-07-2020
آخر تحديث 29-07-2020 | 00:05
قصر العدل
قصر العدل
حددت الحكومة نحو 6 أسباب في مرسوم ردها مشروع القانون الخاص بتعديل قانون المرافعات المدنية والتجارية بإضافة كتاب رابع بعنوان "مخاصمة القضاة وأعضاء النيابة العامة"، الذي أقره مجلس الأمة في المداولة الثانية بجلسة 17 يونيو الماضي، مؤكدة أنه تضمن شبهة دستورية واخطاء فنية تجعل من تنفيذه أمرا بالغ الصعوبة.

ومن الأسباب التي أوردها المرسوم التمييز بين أعضاء النيابة العامة وأعضاء الإدارة العامة للتحقيقات، وعدم بيان المقصود بحالات الغش والتدليس والخطأ المهني الجسيم، وإغفال حق الدولة في الدفاع عن نفسها في دعوى المخاصمة، وتعارض بين المادتين 306، و307، واقتصار دعوى المخاصمة على قضاة المحكمة الكلية ومحكمة الاستئناف، وعدم معالجة اشكالية الدوائر الثلاثية أو الخماسية والقاضي المناب.

بالغ الصعوبة

وقالت الحكومة في مرسوم الرد الذي تمت إحالته إلى اللجنة التشريعية البرلمانية وحصلت "الجريدة" على نسخة منه "إن مجلس الأمة قرر في المداولة الثانية بجلسته المنعقدة بتاريخ 17/6/2020 الموافقة على تعديل قانون المرافعات المدنية والتجارية الصادر بالمرسوم بقانون رقم 38 لسنة 1980 باضافة كتاب رابع له بعنوان (مخاصمة القضاة واعضاء النيابة العامة)، وحيث ان الاقتراح بقانون تضمن شبهة دستورية وأخطاء فنية تجعل من تنفيذه امرا بالغ الصعوبة".

وأضافت: وحيث ان المادة 305 من الاقتراح بقانون حددت الجهات التي يجوز مخاصمتها وهي رجال القضاء وأعضاء النيابة العامة وأغفلت الاشارة إلى أعضاء الإدارة العامة للتحقيقات، التي يماثل عمل رجالها عمل أعضاء النيابة العامة، ولما كان أعضاء النيابة العامة يتولون التحقيق وتوجيه الاتهام في الجنايات فإن أعضاء الإدارة العامة للتحقيقات يتولون التحقيق وتوجيه الاتهام بالجنح، ليتبين عدم وجود فارق بينهما، فلا يجوز إذا دستوريا التمييز بينهما في شأن واحد، منبعه الوظيفة التي يتولون شؤونها، مما يترتب على ذلك وجود شبهة دستورية في المادة 305 المشار اليها.

وتابعت: وحيث ان المادة 305 المشار اليها حددت الحالات التي يجوز مخاصمة القضاة واعضاء النيابة العامة بموجبها وهي حالات الغش، والتدليس، والخطأ المهني الجسيم، وإذا كان الأصل أن المشرع لا يضع تعريفات في صلب القانون في أغلب الاحوال، إلا أنه كان من الأفضل بل والأولى أن يشار إلى معاني مصطلحات الغش والتدليس والخطأ المهني الجسيم في المذكرة الايضاحية للقانون.

وذكرت الحكومة في مرسوم الرد: لتكون هادية لرجال القضاء عند نظرهم دعوى المخاصمة، ذلك لأن مصطلح التدليس على سبيل المثال له معان مختلفة تختلف باختلاف القانون الوارد فيه والاستخدام القانوني له، ففي القانون الجنائي يعتبر التدليس الركن المادي المكون لجريمة النصب، أما في القانون المدني فهو عيب من عيوب الارادة التي تؤدي إلى جعل التصرف قابلا للإبطال.

اختلاف المصطلحات

وأكدت أن اختلاف معنى المصطلح من قانون إلى اخر قد يدفع رجال القضاء إلى الاختلاف في فهم مضمونه ومراميه من قضية إلى أخرى، وهذا ما يؤدي إلى اختلاف الأحكام الصادرة في شأن المخاصمة، وفقا لفهم الدائرة القضائية المحال اليها دعوى الاختصام.

وقالت: وحيث ان المادة 305 المشار إليها جعلت الدولة مسؤولة عن تنفيذ ما يحكم به على المخاصم من تعويضات بسبب أي من الحالات التي يجوز فيها المخاصمة ولها كذلك حق الرجوع عليه، ولكن المشرع أغفل من جهة أخرى الإشارة إلى حق الدولة في الدفاع عن نفسها في دعوى المخاصمة، وترك هذه الدعوى تدور رحاها بين المدعي والمخاصم دون أن تشترك الدولة في الدفاع عن نفسها.

وأكدت أن هناك تعارضا بين المادتين 306، و307 من الاقتراح بقانون ففي حين تقرر المادة 306 أن دعوى المخاصمة ترفع بتقرير إلى إدارة كتاب محكمة الاستئناف، نجد المادة 307 تقرر أنه على إدارة الكتاب بالمحكمة المختصة إحالة التقرير إلى رئيس المحكمة، والسؤال الواجب طرحه هنا ما المقصود بالمحكمة المختصة هل هي دائرة في محكمة الاستئناف، أم الدائرة التي يتبع لها المخاصم؟

واستطردت الحكومة في مرسوم الرد قائلة: وعلى سبيل المثال إذا كان المخاصم يتبع المحكمة الكلية، فهل المقصود إدارة الكتاب في هذه المحكمة وفقا لحكم المادة 307، أم هي دائرة الكتاب في محكمة الاستئناف وفقا لحكم المادة 306 من القانون؟ الأمر الذي يقتضي إزالة التناقض بين هاتين المادتين.

وأضافت: حيث ان كل من المادتين 307، و308 من الاقتراح بقانون تقرران مرحلتين متتاليتين لنظر دعوى المخاصمة، المرحلة الأولى تنظر الدائرة التي أحيل إليها التقرير بجواز قبول دعوى المخاصمة، فإذا ما وافقت على قبول الدعوى انتقلنا إلى المرحلة الثانية، حيث تكون الدائرة التي تنظر النزاع تتبع محكمة الاستئناف، ويصرف النظر عن اطالة أمد النزاع بجعله على مرحلتين.

وتساءلت هنا عن قصد المشرع بأن تقتصر دعوى المخاصمة على قضاة المحكمة الكلية ومحكمة الاستئناف، دون أن يشمل ذلك مستشاري المحكمة الدستورية ومحكمة التمييز، إذ ليس من المعقول أن يتولى محاكمة أعضاء محكمة التمييز والمحكمة الدستورية قضاة أقل منهم درجة، اي قضاة محكمة الاستئناف، ولا يعقل أن يحاكم القاضي المخاصم في التمييز أو الدستورية أمام محكمة الاستئناف وهي اقل درجة منها دون شك.

وقالت: قد يكون من اليسير معرفة القاضي الموجه إليه دعوى الاختصام إذا كان الحكم أو التصرف صدر منه منفردا لكن الإشكال يثور في حالة الدوائر الثلاثية أو الخماسية، فأغلب الدوائر في المحكمة الكلية هي دوائر ثلاثية ودوائر محكمة الاستئناف ثلاثية كذلك، أما دوائر محكمة التمييز فخماسية ومن المعروف ان الحكم يصدر منسوبا للدائرة التي اصدرته، دون معرفة من مكتب مسودة الحكم ولما كانت المداولة بالاحكام سرية بين القضاة فيزداد الامر صعوبة أكثر فأكثر.

وطرحت سؤالا هنا هل توجه دعوى الاختصام في حالة الدوائر الثلاثية أو الخماسية إلى القاضي الذي كتب مسودة الحكم مع الاعتراف بصعوبة معرفة ذلك بحكم سرية المداولة بالاحكام؟ أم توجه دعوى الاختصام إلى جميع أعضاء الدائرة؟ أو إلى رئيس الدائرة التي وقع رئيسها على النسخة الاصلية للحكم؟ كما يثار التساؤل عن موقف القاضي المناب الذي حل محل القاضي الأصيل، هل يشمله هذا الحكم كذلك أم لا؟

وفي ختام المرسوم ذكرت الحكومة "ومن حيث يتبين مما تقدم ان الاقتراح بقانون سالف الذكر والموافق عليه من مجلس الأمة قد شابه العوار الدستوري فضلا عن مخالفته القواعد القانونية المستقرة ويثير تطبيقه اشكالات عديدة في العمل، الامر الذي يتطلب إعادته إلى مجلس الامة لإعادة النظر فيه".

خوض في النوايا وتشكيك في مسلك القضاء

أكدت الحكومة في مرسوم الرد أن تجاهل المشرع البت في النقاط المهمة التي أشار إليها المرسوم سوف يؤدي إلى إشكالات عديدة في ميدان العمل، نحن في غنى عنها.

وقالت: لو كان المشرع أكثر حصافة وهو يقرر نصوص القانون، حيث ان المادة 310 من الاقتراح بقانون تنص على أن (يكون القاضي او عضو النيابة العامة المخاصم غير صالح لنظر الدعوى أو المشاركة في التحقيق وذلك من تاريخ الحكم بقبول دعوى المخاصمة ويجب عليه التنحي عن نظر الدعوى او المشاركة في التحقيق).

وبينت أن هذه المادة بصياغتها الحالية تثير ملاحظة مهمة مؤداها كيف يمكن اثبات الغش أو التدليس أو الخطأ المهني الجسيم إذا كانت الدعوى الموضوعية لا تزال منظورة أمام المحكمة، أو كان التحقيق لا يزال مستمرا.

وشددت على أن الغش أو التدليس أو الخطأ المهني الجسيم يثبت عند اصدار الحكم النهائي، اذ يثبت في حيثياته واسبابه ومحاضر الجلسات وقوع الخطأ المهني الجسيم، أو وقوع الغش، أو قيام التدليس، أما توجيه الاختصام خلال نظر الدعوى او التحقيق فهو خوض في النوايا وتشكيك في مسلك القضاء لا يمكن قبوله.

شل عمل النائب العام والنيابة العامة

أشار مرسوم رد قانون مخاصمة القضاء إلى أنه من المعروف أن العمل في النيابة العامة عمل هرمي والقرار الصادر من وكيل النيابة لابد من موافقة رئيس النيابة عليه، والأخير لابد أن يعرض الأمر على المحامي العام، والذي بدوره يعرض الأمر على النائب العام، الذي يستمد جميع أعضاء النيابة العامة اختصاصهم وسلطاتهم من الاختصاصات والسلطات المخولة له قانونا باعتبارهم وكلاء عنه، ويباشرون أعمالهم بموجب الوكالة التي فرضها القانون عليهم.

وتساءلت الحكومة هنا: إلى من توجه المسؤولية في حالة دعوى الاختصام؟ هل يقتصر الامر على وكيل النيابة العامة؟ أم من اهم أعلى درجة منه والذين شاركوا في التصرف الصادر منه؟ فإذا ما علمنا أن هناك حالات لا يصدر فيها القرار إلا من النائب العام وحده فلا يجوز له قانونا تفويض غيره بل مثال ذلك الطعن بالتمييز في قضايا الأحوال الشخصية وفقا لقانون الأسرة أو إحالة الشكوى ضد أحد الوزراء إلى محكمة الوزراء وفقا لقانون محاكمة الوزراء.

كما تساءلت هل يوقف النائب العام المخاصم عن عمله في حالة وقوع مثل هذه الحالات؟ مضيفة «الأمر الذي يؤدي إلى شل عمل النائب العام ومن ثم النيابة العامة عن عملها ككل».

من أبرز الأسباب التمييز بين أعضاء النيابة والتحقيقات وعدم بيان المقصود بحالات الغش والتدليس

إغفال حق الدولة في الدفاع عن نفسها في دعوى المخاصمة وتعارض بين المادتين 306 و307

عدم معالجة إشكالية الدوائر الثلاثية أو الخماسية والقاضي المناب
back to top